عكس التيار العالمي السائد حاليا بتشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة، تتجه الصين لخفضها ضمن أحدث مساعٍ لدعم ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.
وطالبت السلطات الصينية البنوك التجارية، بخفض المدفوعات التي يقدمونها للمدخرين فوق فائدة الإيداع القياسية بمقدار 10 نقاط أساس، على جميع الودائع باختلاف آجالها.
تم إرسال الطلب للبنوك يوم الجمعة 15 أبريل/نيسان 2022 عن طريق ما يسمى “آلية الانضباط الذاتي لسعر الفائدة”، التي يشرف عليها البنك المركزي الصيني.
وعلى الرغم من أن الطلب ليس إلزاميًا، لكن تنفيذ الطلب يعزز من تقييم البنوك التي تقوم بذلك ضمن التقييم ربع السنوي الذي يقوم به “بنك الشعب” الصيني، حسبما قالت المصادر، التي أشارت إلى أن البنوك التي تختار عدم الامتثال لن يتم خصم درجات من تقييمها.
وتدفع أكبر البنوك الصينية 50 نقطة أساس فوق معدلات الفائدة الرئيسية للودائع لأجل، بينما تدفع البنوك الأصغر 75 نقطة أساس فوق الفائدة الرئيسية.
وكان صانعو السياسة النقدية لدى بنك الشعب الصيني قد أبقوا يوم الجمعة 15 أبريل 2022 على سعر الفائدة لقروضه لأجل عام واحد عند 2.85% دون تغيير، مما خيب آمال معظم الاقتصاديين الذين توقعوا خفض سعر الفائدة لدعم الاقتصاد.
الخروج من نفق تداعيات إغلاقات “أوميكرون”
تساعد الخطوة الصينية في خفض تكلفة التمويل على البنوك، في الوقت الذي يطالب فيه صانعو السياسة النقدية القطاع المالي بمساعدة ملايين الشركات التي تعاني بسبب عمليات الإغلاق، التي تهدف إلى الحد من تفشي سلالة أوميكرون المتحورة شديدة العدوى.
ويمكن للخطوة أيضاً أن تمهد الطريق لخفض سعر الفائدة الأساسي على القروض، الذي يمثل معدل الإقراض المعياري، الذي سيتم الإعلان عنه الأسبوع المقبل.
خفض الفائدة التي تدفعها البنوك مقابل الودائع سوف يمكِّنها من فرض رسوم أقل على القروض، والاحتفاظ بالهوامش دون تغيير.
وكان “بنك الشعب” الصيني قد امتنع في وقت سابق يوم الجمعة 15 أبريل/نيسان 2022، عن خفض أسعار الفائدة على قروض السياسة النقدية لأجل عام واحد، التي يتم تقديمها للبنوك التجارية، ما خيب آمال المحللين الذين توقعوا خفض الفائدة، حيث توقع 6 فقط من 22 اقتصادياً شملهم استطلاع بلومبيرج قبل الإعلان ثبات أسعار الفائدة، بينما توقع الغالبية انخفاضاً بمقدار يتراوح بين 5-10 نقاط أساس.
تعطل الإنتاج والتوريدات الخارجية
وقد تزايد عدد الشركات التي أعربت عن قلقها من تأخر عمليات شحن السلع التي يتم إنتاجها في الصين نتيجة إجراءات الإغلاق التي أعادت بكين فرضها على خلفية تجدد الزيادة في أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد.
وقال ريان بيترسون الشريك المؤسس لشركة الشحن السنغافورية «فليكس بورت» في مقابلة مع وكالة بلومبيرج إن إغلاق بعض المصانع أبوابها وضرورة البحث عن سائقي شاحنات يحملون شهادات الخلو من فيروس كورونا المستجد لنقل الشحنات يزيدان من التأخير في سلاسل الإمداد.
وأضاف أن شحنة البضائع التي يتم إنتاجها في الصين تحتاج الآن إلى 115 يوما لكي تصل إلى مستودعات الجملة في الولايات المتحدة منذ لحظة إنتاجها في الصين وهو ما يزيد بمقدار 50 يوما على المتوسط في 2019.
وقال بيترسون إن أي مصنع يخفض طاقته الإنتاجية في الصين حتى لو كان بنسبة ضئيلة يؤدي إلى زيادة الأسعار وطول فترة التسليم والمزيد من الصعوبات.
يذكر أن سلاسل الإمداد في العالم ما زالت تعاني من مشكلات نقص العمالة والتحديات اللوجيستية في الوقت الذي تدخل فيه جائحة فيروس كورونا المستجد عامها الثالث، في حين ما زالت درجة اضطراب سلاسل الإمداد تتفاوت من دولة إلى أخرى.
واضطرت أغلب المصانع في مدينة شنغهاي أحد المراكز الاقتصادية الرئيسية بالصين إلى إغلاق أبوابها نتيجة إجراءات الإغلاق الصارمة المفروضة على المدينة البالغ عدد سكانها 25 مليون نسمة. كما تعاني المدينة التي تضم أكبر ميناء حاويات في العالم من نقص أعداد سائقي الشاحنات بسبب الجائحة.
ولا يقتصر الأمر على التوريدات الخارجية، فقد حذرت شركة إكس بنغ لصناعة السيارات الكهربائية وعملاق التكنولوجيا هواوي من تعليق الإنتاج الذي يلوح في الأفق على مستوى الصناعة إذا لم يتمكن الموردون في شنغهاي والمناطق المحيطة بها من استئناف العمل. كما تضررت شركات الطيران وقطاع العقارات.
وحذر خه شياو بنغ الرئيس التنفيذي لشركة إكس بنغ بشدة من تأثر القطاع ما لم يتحسن الوضع. وقال على تطبيق ويتشات للتواصل الاجتماعي: «إذا لم يتمكن الموردون في شنغهاي والمناطق المحيطة بها من إيجاد طريقة لاستئناف العمليات والإنتاج، فمن المحتمل أن تضطر جميع شركات صناعة السيارات الصينية في مايو (أيار) إلى وقف الإنتاج».
تباطؤ النمو
سادت حالة من التشاؤم بشأن الآفاق الاقتصادية خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب عمليات الإغلاق في بعض المناطق الأكثر زخماً بالثروة والنشاط الصناعي في الصين، حيث تم إغلاق مركز التكنولوجيا في شنجن في مارس، لمدة سبعة أيام، وأعقب ذلك نهاية الشهر، فرض قيود صارمة على سكان شنغهاي البالغ عددهم 25 مليوناً.
يتوقع الاقتصاديون تباطؤ النمو إلى 5% في عام 2022، بتراجع عن مستهدف الحكومة الذي يتراوح حول 5.5%.
وتتمتع البنوك التجارية الصينية بهامش حرية في تحديد أسعار الفائدة الخاصة بها، منذ إلغاء البنك المركزي السيطرة المباشرة عام 2005.
ورغم ذلك، يحتفظ “بنك الشعب” الصيني بنفوذ كبير من خلال تحديد حد أقصى وأدنى لمعدلات الفائدة عن طريق “آلية الانضباط الذاتي لسعر الفائدة”.
يبلغ معدل الفائدة الأساسي على الإيداع لأجل عام واحد في البلاد لودائع الأفراد 1.5% حالياً، وفي حال امتثال البنوك لإجراء التخفيضات، سيكون ذلك أول خفض لسعر الفائدة على الودائع منذ يونيو من العام الماضي.
ويعد سعر الفائدة أداة رئيسية للبنوك المركزية من خلالها يتم وضع السياسة المالية وتحديد سعر الأموال، وبمعنى آخر فإن سعر الفائدة هو عبار عن تأمين في حال عدم رد الأموال المقترضة من قبل شخص أو شركة، ويتم تحديد قيمة التأمين بحسب قيمة الفائدة.
وفي حالة الركود الاقتصادي، يقوم البنك المركزي بخفض سعر الفائدة؛ ما يخفض من قيمة الأموال، فيزداد الاقتراض، وينتعش الإنفاق الاستهلاكي.
وهناك العديد من العوامل التي يتم تحديدها والعمل بها عند تحديد سعر الفائدة، ولكن أهمها مؤشر التضخم والركود.
والنتائج المترتبة على التغيير في سعر الفائدة لا تظهر على الفور، بل تحتاج إلى نحو عام.
ويخفض البنك المركزي الفائدة في حالة الركود الاقتصادي فيجعل سعر الأموال رخيصا فيزيد الاقتراض وبالتالي الإنفاق الاستهلاكي وينتعش الاقتصاد فيخرج من الركود.