الخرطوم – محمد التيجاني:
غلاء فاحش، وضخم تُسعّر نيرانه وأجور متدنية، واقع مرير يواجهه السودانيين مع اقتراب عيد الفطر مما يجعل فرحتهم بهذه المناسبة في مهب الريح.
صورة مأسوية تشكلت في السودان بفضل اقتصاد متدهور بلغ فيه معدل التضخم 263.16 خلال مارس المنصرم، وتراجع سعر صرف العملة الوطنية إذ يساوي الدولار الأمريكي الواحد 570 جنيها في تعاملات السوق السوداء، فضلاً عن توترات سياسية قادت لإيقاف التمويل الدولي.
وبعد أشهر من الركود، شهدت الأسواق السودانية حركة دؤوبة تصل حد الإكتظاظ مع قرب حلول العيد، لكن عمليات الشراء، وفق أصحاب محال تجارية ماتزال ضعيفة ويعود السبب بشكل أساسي إلى غلاء الأسعار.
ويقدر تجار نسبة الزيادات التي طرأت على أسعار السلع والملابس خلال هذا الشهر بنحو 40%، وهي كلفة إضافية لموجة الغلاء التي تعيشها البلاد منذ فترة طويلة.
ويقول قاسم القمير وهو صاحب إحدى المحال التجارية في سوق ليبيا بأمدرمان، “هناك حراك كبير من المواطنين بالسوق مما خلق نوع من الزحام ولكن غالبية زوار السوق يكتفون بالفرجة والإستفسار عن أسعار السلع دون أن يُقدموا على الشراء”.
وأضاف القمير أن التجار ليس بأيدهم شيء ليفعلونه، فالغلاء يتضررون منه قبل المواطنين لأنه يضعف عمليات الشراء ويترتب عليه خسائر فادحة نظراً لتكاليف التشغيل العالية”.
وتابع “عمليات البيع تسير بشكل متوسط حتى الآن ولكن يتوقع أن ترتفع خلال اليومين المقبلين لأن كثير من العائلات تقوم بتأخر التسوق الى العيد قبل حلوله بساعات قليلة كما درجت العادة”.
ورغم تصاعد أسعار السلع بمتوالية هندسية إلا أن رواتب الموظفين الحكوميين ظلت ثابتة دون أي زيادات على مدار أكثر من عامين، وهو ما جعل شرئحة واسعة من السودانيين يعجزون عن تلبية إحتياجات العيد.
ويقول أحمد عبدالله وهو معلم بالمرحلة الإعدادية وبالدرجة الوظيفية الأولى إنه لن يستطيع شراء ملابس لأبناءه هذا العام لأن أسعارها مرتفعة للغاية مقارنة براتبه الضعيف والذي لايتخطى الـ”30″ ألف جنيه نحو 60 دولاراً في الشهر، في حين قد يصل سعر ملابس كاملة لطفل 20 الف جنيه.
وأضاف عبدالله “راتبي قد لا يكفي لشراء الحلوى الخاصة بالعيد وبعض السلع والمستلزمات الخفيفة، لكن لدي أبناء كبار يشتغلون ويقوموا بتخفيف العبء عني، ومع ذلك أسقطتنا مسألة شراء ملابس جديد عن جدول مصرفاتنا هذا العام”.
ولم تتوقف معاناة الحصول على مستلزمات العيد عن شريحة الموظفين فهناك قطاع واسع من محدودي الدخل والذين يعملون في مهن هاشية وهم السواد الأعظم في السودان.
ويقول جمعة صالح وهو عامل بإحدى الورش الصناعية في أم درمان “نحن نعيش أوضاع صعبة للغاية، دخلي محدود وأعول أسرة كبيرة، فمستلزمات العيد التي كانت ضرورية صارت بالنسبة لنا من الرفاهيات، إننا نتحدث عن ضغوطات شاملة حتى في الأكل والشرب”.
وشدد صالح “كنا نتوقع أن تتحسن الأوضاع بعد نجاح الثورة ولكن بلادنا دخلت في صراع جديد ومازلنا كمواطنين عاديين ندفع ثمن الخلافات السياسية، ونأمل أن تحل مشاكلنا ونفرح في كل أيامنا وليس العيد فحسب”.
وكان صندوق النقد والبنك الدولي ودولة غربية جمدت مساعدات إلى السودان تفوق 4 مليارات دولار، إثر قرارات أصدرها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قضت بحل الحكومة الانتقالية وفرض حالة الطوارئ بالبلاد وتجميد بعض بنود الوثيقة الدستورية.
وقال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في تصريحات هذا الشهر إن البنك الدولي أوقف تمويلا بقيمة 650 مليون دولار بعد قرارات قائد الجيش، فيما جمد صندوق النقد قرضا بنحو 2.5 مليار دولار.
ردة الفعل الدولية تجاه التوترات السياسية في السودان فاقمت من الأوضاع الإقتصادية بالبلاد ودفعت الأسعار السلع نحو المزيد من التصاعد.