أزمة تيغراي في إثيوبيا.. هل يكبح الاتحاد الأفريقي نزيف العنف؟

تطورات متلاحقة في شمالي إثيوبيا تضع الوساطة الأفريقية للأزمة على المحك وسط آمال بحسم نزاع بات يقض مضجع المجتمع الدولي.

فبعد إعلان الحكومة الإثيوبية مواصلة عملياتها العسكرية للسيطرة على جميع مطارات إقليم تيغراي، وما تلاه من سقوط مدينة “شيري” كبرى مدن الإقليم ومناطق أخرى مهمة تعتبر في عمقه، أصبح الجيش على مقربة من الوصول لعاصمة الإقليم.

وحال سيطرة الجيش على مقلي عاصمة الإقليم، فستكون النقطة فاصلة في الصراع وسط مخاوف محلية إقليمية ودولية من مواجهات غير معلومة بين طرفي الصراع (الحكومة وجبهة تحرير تيغراي).

وفي خضم التطورات، تؤكد أديس أبابا تمسكها بالحل السلمي للصراع، من خلال محادثات سلام يقودها الاتحاد الأفريقي، غير أنها أعلنت مضيها في السيطرة على جميع مطارات إقليم تيغراي.

واستبقت الحكومة الإثيوبية تطورات زحف قواتها نحو عمق إقليم تيغراي بتوزيع منشورات لمختلف مدن ومناطق الإقليم توصي فيها المواطنين بالابتعاد عن المناطق القريبة من الجبهة والمناطق العسكرية.

مرحلة خطيرة

آدم جبريل، المهتم بالشأن الإثيوبي، يرى أن الصراع الدائر مع جبهة تحرير تيغراي وصل مرحلة خطيرة، بعد دخول أطراف وقوى أخرى قال إنها تحاول فرض أجنداتها لضمان وجود حليف يؤمن موقعا لها بالمنطقة التي تشهد سباقا بين أقطاب دولية بالقرن الأفريقي.

ويقول جبريل، في حديثه لـ”العين الإخبارية”، إن التطورات الميدانية حاليا تؤكد تماما على سيناريو الحسم العسكري بعد إعلان الحكومة السيطرة على جميع مطارات الإقليم.

ويفسر جبريل خطوة الحكومة الإثيوبية بـ”وجود معلومات توفرت تؤكد دخول أطراف خارجية تحاول قلب الموازين بالمعركة الحالية من خلال تقديم أسلحة متطورة مباشرة لجبهة تحرير تيغراي من قبل قوى دولية بالتعاون مع حلفاء إقليمين، ما قد تقلب الأمور ويطيل أمد الصراع الأمر الذي لا تريده الحكومة”.

وأضاف أن إعلان الحكومة السيطرة على جميع مطارات إقليم تيغراي يستهدف منع أي محاولة إنزال مخترقة للأجواء الإثيوبية من قبل من تتهمهم من قوى لم تذكرها.

لكن أديس أبابا – بحسب جبريل- تقول إن هناك محاولات لدعم وإيصال أسلحة لجبهة تحرير تيغراي، وسبق أن أعلنت عن إسقاط طائرة أجنبية كانت تحمل أسلحة لمسلحي الجبهة غربي البلاد.

وحول علاقات الحكومة الإثيوبية بالغرب والإقليم والولايات المتحدة، يرى جبريل أنها لا تزال متأرجحة خاصة مع الغرب وواشنطن اللذان ينتظران كفة حسم الصراع الدائر.

ولفت إلى أن جبهة تحرير تيغراي كانت تمثل الحليف الاستراتيجي للغرب وأمريكا طيلة فترة حكمها، وبالتالي فإن أي تقدم عسكري يقضي على الجبهة لا يكون في صالح هذه القوى، لأنه سيفقدها ضامنا رئيسيا لمصالحها بمنطقة القرن الأفريقي التي تشهد صراعا دوليا خفيا.

ويشير جبريل إلى أن “التقارب الحالي بين الحكومة الإثيوبية ونظيرتها الإريترية يمثل الهاجس الأكبر لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة باعتباره يصب في صالح منافسين آخرين مثل روسيا، والصين الاعب الرئيسي حاليا بمنطقة القرن الأفريقي، وكلاهما يدعمان أديس أبابا بقوة في مختلف المحافل الدولية بمواجهة الخصم الآخر (أوروبا وأمريكا).

فرص نجاح

بالرجوع إلى فرص نجاح الاتحاد الأفريقي لإقناع الأطراف المتصارعة بالجلوس للتفاوض، يقول زكريا إبراهيم، المحلل والمهتم بالشأن الإثيوبي، إن فرص نجاح النجاح بالوقت الراهن باتت في مهب الريح بعد تقدم الجيش الذي يكاد يكون قد اقترب من حسم الصراع بعد وصوله عمق الإقليم.

ويضيف إبراهيم، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن الحكومة الإثيوبية تعتقد اعتقادا راسخا بأن ورقة التفاوض وسط ضغوطات دولية تشكل محاولة لإعطاء الجبهة فرصة من حلفائها بعد تطور الموقف الميداني وتفوق الجيش الإثيوبي.

وبالنسبة للخبير، فإن “الأوضاع على الميدان تغيرت بعد معارك ظلت مستمرة منذ نحو شهرين استخدمت فيها الحكومة الإثيوبية تكتيك سياسة استنزاف الطرف الآخر وإبقائه في منطقته دون أن يتوسع نحو إقليمي أمهرة وعفار خلال الجولة الأولى من الحرب”.

وهذه السياسة، يوضح “استفادت منها الحكومة كثيرا في إضعاف قوة الخصم ومكنتها من الدخول إلى عمق الإقليم مدعومة بوحدات مختلفة من الجيش ومختلف وحداته”.

إبراهيم يعتبر أيضا أن انشغال وتركيز العالم على الحرب الروسية الأوكرانية يصب في صالح الحكومة الإثيوبية إذ تغيرت موازين المجتمع الدولي والأقطاب الفاعلة فيه ما شكل فرصة لتقدم الجيش الإثيوبي في فرض قوته على عكس الجولة الأولى من الحرب في نوفمبر/ تشرين أول الماضي، حين استهدفت أديس أبابا بانتقاد واسعة من الغرب وأمريكا.

ويقول إبراهيم إن المجتمع الدولي سيتخلى عن الجبهة لأنه وفق اللعبة المعروفة، عادة ما تقف القوى الكبرى مع من لديه القوة على الأرض، مشيرا إلى أن مواقف المجتمع الدولي ستتغير بعد تقدم الجيش نحو عمق إقليم تيغراي.

تحديات

في المقابل، يضع المحلل السياسي كنيدي وانجوي، عدة عقبات وتحديات قد تواجه الجيش الإثيوبي والحكومة الفيدرالية التي تسعى للسيطرة على كامل إقليم تيغراي.

وفي حديث مع “العين الإخبارية”، يقول وانجوي إن الحكومة الإثيوبية يمكن أن تسيطر على تيغراي غير أنها ستواجه تحديات كبيرة في إدارة الإقليم.

ويضيف أن أديس أبابا كانت من قبل قد دخلت إقليم تيغراي وسيطرت عليه لكنها لم تستطع إدارته لأن جبهة تحرير تيغراي استطاعت تعبئة الشعب وتحشيده ضد الحكومة الفيدرالية وصورتها على أنها غازية للإقليم حيث تم استنزاف الجيش الإثيوبي حينها في مناطق وأرياف تيغراي خلال الجولة من الحرب.

فحينها، يقول الخبير، إن الحكومة قررت سحب قواتها من تيغراي، غير أن هذه الفرصة استغلتها جبهة تحرير تيغراي وحشدت خلالها أكثر من 600 ألف من المقاتلين فضلا عن إخراجها أسلحة كانت مخبأة خلل سنوات حكمها لإثيوبيا.

ويشير وانجوي إلى أن إدارة إقليم تيغراي سيكون المحك الأكبر للحكومة الإثيوبية، مشيرا إلى وجود عاملين إن تغيرا فستتمكن الحكومة الإثيوبية من إدارة الإقليم، وهما: تغير موقف سكان تيغراي ونظرته لقوات الجيش الإثيوبي على أنه غازي وفق ما صورته الجبهة وحصوله على دعمه،

الأمر الثاني، وفق وانجوي يكمن في استخدام القوة، حيث ستجد الحكومة الإثيوبية نفسها مضطرة لاستخدام القوة ضد كل من يحاول دعم الجبهة ومقاتليها أو عرقلة إدارتها للإقليم ما سيضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي لاسيما المنظمات الحقوقية والمنظمات الدولية الأخرى.

ويستدرك وانجوي بالقول إن تغيير الصورة الذهنية للحكومة الإثيوبية لدى سكان تيغراي هذه المرة ربما سيجد مراجعة من سكان الإقليم ممن كانوا يراهنون على الجبهة التي وعدته بفك الحصار المفروض عليه وإسقاط حكومة آبي أحمد.

وبما أن الوعود لم تتحقق، بل وصلت قوات الحكومة إلى عمق الإقليم، فضلا عن فقدان الآلاف من شبابه، فإن هذا الأمر قد يساهم إلى حد كبير في تغيير الصورة الذهنية للسكان عن الحكومة.

amaإثيوبياالاتحاد الأفريقيتيغرايعربوكالة الإعلام العربية
Comments (0)
Add Comment