حرمَ مرضٌ عصبيٌ «بات بينيت» من قدرتها على الكلام، لكن دماغها كان لا يزال يرسل إشارات تدل على رغبتها في التحدث، وكان العلماء يقرؤونها. راقب الباحثون نشاطَها العصبي باستخدام أجهزة صغيرة محمَّلة بالأقطاب الكهربائية مزروعة في دماغها. وقاموا بتدريب خوارزمية للتعرف على محاولاتها التحدث. وفي النهاية، قام فريق بفك تشفير أقوالها الحلقية وتحويلها إلى نص بمعدل 62 كلمة في الدقيقة بدقة تزيد على 75%، وفقاً لدراسة نُشرت مؤخراً في مجلة «نيتشر».وتعد النتيجة علامةً فارقةً في استعادة القدرة على التواصل مع الأشخاص الذين فقدوها، بسرعة تزيد على ثلاثة أضعاف الرقم القياسي السابق، والبدء في الاقتراب من سرعة المحادثة الطبيعية البالغة حوالي 160 كلمة في الدقيقة، وفقاً للدراسة. واعتمدت الدراسة أيضاً على التكنولوجيا التي يتم تحسينها بسرعة، حيث تتسابق الشركات لتطوير الجيل التالي من زراعة الدماغ والذكاء الاصطناعي التوليدي، مما يغذي التفاؤل بين المؤلفين بأن نتائج أفضل في متناول اليد. وقال جيمي هندرسون، أستاذ جراحة الأعصاب في جامعة ستانفورد والمؤلف الرئيسي للدراسة: «كنا نأمل في الحصول على نتيجة كهذه، وبالتالي فإن القدرة على إثبات ذلك كان أمراً مُرضياً للغاية». وقارن التكنولوجيا المتطورة لزراعة الدماغ بالتلفزيون، حيث أدت زيادة عدد البكسلات (وحدة الصورة الرقمية) إلى صورة أكثر وضوحاً.وقال: «وينطبق الشيء نفسه على الاستماع مباشرة إلى الخلايا العصبية»، متوقعاً أن الأجهزة التي تحتوي على المزيد من الأقطاب الكهربائية ستعطي صورة عالية الدقة لنشاط الدماغ. واكتسب مجال ربط الأدمغة بالأجهزة الإلكترونية زخماً في السنوات الأخيرة، وانتشر من خلال شركة «نيورالينك» Neuralink المملوكة لإيلون ماسك، حيث تقوم العديد من الشركات بتطوير تكنولوجيا لقراءة تعليمات الدماغ للجسم واستخدام برمجة الكمبيوتر لتنفيذها. وبالفعل، تحقق الشركات والباحثون إنجازاتٍ مثل تمكين رجل مشلول من صعود السلالم. قد تكون واجهات الدماغ والحاسوب، كما تُعرف، غير متاحة تجارياً إلا بعد سنوات، لكنها تم اختبارها في التجارب السريرية على أكثر من 40 شخصاً. وتبلغ بينيت، الموضوع الوحيد للدراسة في مجلة نيتشر، الآن 68 عاماً، وهي تعاني من مرض التصلب الجانبي الضموري، أو ALS، وهو مرض تنكسي يمكن أن يسبب الشلل في النهاية.وكانت تشغل منصب مديرة الموارد البشرية قبل أن يتمكن منها المرض. وتستطيع بينيت الآن التحرك بمفردها والكتابة بصعوبة، لكن العضلات الموجودة في فمها وحلقها والتي تنتج الكلام لم تعد قادرة على إصدار أصوات مفهومة. ووفقاً لبيان صحفي صادر عن جامعة ستانفورد، كتبت بينيت في رسالة بالبريد الإلكتروني: «عندما تفكر في مرض التصلب الجانبي الضموري، فإنك تفكر في تأثيره على الذراع والساق.لكن في مجموعة من مرضى التصلب الجانبي الضموري، يبدأ الأمر بصعوبات في النطق. فأنا غير قادرة على الكلام». ومن أجل ترجمة محاولات بينيت التحدثَ إلى نص، اعتمد فريقُ البحث على غرستين صغيرتين تحتويان على حوالي 120 قطباً كهربائياً تخترق الدماغ وتراقب نشاطه العصبي. وقاموا بتدريب خوارزمية للتعرف على الكلمات المقصودة من خلال جعلها تحاول نطق الجمل على شاشة الكمبيوتر على مدى أربعة أشهر، ثم دمجوا ذلك مع نموذج لغة يتنبأ بالكلمات بناءً على السياق.وباستخدام مفردات مكونة من 125 ألف كلمة، تمكن نظام الفريق من فك تشفير محاولة بينيت الكلامَ بمعدل 62 كلمة في الدقيقة، مع معدل خطأ في الكلمات يبلغ 24%. يقول هندرسون إن هذا دقيق بدرجة كافية للحصول على جوهر الجملة بشكل عام، لكن مؤلفي الدراسة خلصوا إلى أن معدل الخطأ مرتفع جداً في الاستخدام اليومي، وإن النظام ككل ليس قابلاً للتطبيق على كل المرضى بعد.ووجد الباحثون أن معدل الخطأ انخفض مع إضافة المزيد من القنوات، أو الأقطاب الكهربائية التي تقرأ إشارات الدماغ. وتعمل شركات من بينها «نيورالينك» و«بارادوميكس» Paradromics و«بريسيجن نيوروساينس» Precision Neuroscience و«بلاك روك نيوروتك» Blackrock Neurotech، على تصميم أجهزة تحتوي على المزيد من القنوات للحصول على صورة عالية الدقة لإشارات الدماغ.وخلُصت الدراسةُ إلى أنه باستخدام هذه الأنواع من الأجهزة ذات النطاق الترددي العالي، يمكن للزرعات (الغرسات) في منطقة صغيرة من الدماغ أن تعيد الاتصال للأشخاص المصابين بالشلل بسرعة المحادثة العادية.