القاهرة – نورهان مهران:
ضمن فعاليات أسبوع القاهرة للتصميم Cairo Design Week نُظم معرض مدينة الموتى في سفح قلعة صلاح الدين الأيوبي بمصر، المعرض الذي يصور قصص حياة المقيمين بجانب القبور والأموات الذين يعيشون حياتهم بكل طبيعية، يأكلون ويشربون وينامون ثم يتزوجون ويقيمون الأفراح جنبًا إلى جنب مع المقابر التي تستمر في استقبال الموتى يوميًا.
المقابر هذه والتي تعرف باسم مدينة الموتى تعود إلى القرن السابع، وهي أقدم مقبرة إسلامية مستخدمة بشكل مستمر في العالم، وفي عام 1993 عاش فيها أكثر من 120 ألف شخص يقومون بأعمالهم بشكل اعتيادي وبالأنشطة الحياتية داخل المقابر، وبنوا الأكواخ التي يعيشون فيها، ونشروا الغسيل على أحبال واصلة بينهم وبين مقابر لأقدم الشخصيات التاريخية والثقافية والدينية.
بدأ المعرض في 23 فبراير وسيستمر حتى 2 مارس، والمفارقة هنا هو أن بضع طرق قصيرة للغاية تفصل بين منطقة الإمام الشافعي والمعرض الذي يطرح الحياة بأكملها هناك، في عدة صور التقطها المصور الصحفي الأمريكي إد كاشي في رحلته بمصر منذ 30 عامًا، الرحلة التي وصفها بالمثيرة للتعجب، فالمصور الذي أتى إلى المنطقة بالصدفة لتكليف معين أثارته الدهشة والفضول لمعرفة أحوال هؤلاء الذين يعيشون داخل المدافن، ومن هنا بدأت فكرته في توثيق هذه الحالة الفريدة.
وفي أثناء تواجدنا في المعرض أجرينا حوار مع المصور الأمريكي إد كاشي، وكان سعيدًا للغاية في زيارته السادسة لمصر، وعبر لنا عن مدى إعجابه بالثقافة المصرية
هل جئت خصيصًا من أجل تصوير هذه المنطقة؟ أم صادفتك؟ ومن أين أتت لك فكرة توثيق حياة هؤلاء الناس؟
جئت إلى مصر في عام 1992 في تكليف لمجلة National Geographic في تغطية كبيرة عن مشكلات المياه في الشرق الأوسط، ثم أخذني المنتج والوسيط المصري إلى مدينة الموتى لهذه القصة، ومنذ أن رأيت هذا المكان وقد أصابني الذهول وقلت لنفسي يجب أن آتي إلى هذا المكان مرة أخرى لتوثيق قصة هذا المكان فقط، لذا في العام التالي سافرت إلى مصر من أجل مدينة الموتى ومضيت 3 أسابيع في هذا المكان للتعايش معه وتصوير جميع القصص فيه، وكانت لدي فرصة عظيمة في مشاهدة هذه القصص.
أعني في البداية كان مجرد تكليف، ولكن الذي رأيته لم يكن قصة عادية بل كان جزءًا من تراث البلد وهذا ما جعلني أعود مرة أخرى للتركيز فقط على مدينة الموتى.
ما أكثر شيء أدهشك خلال عملية التصوير داخل المكان؟ هل صُدمت من شي معين؟
لم أصدم كثيرًا فأنا قضيت وقتًا كبيرًا في الشرق الأوسط والعالم العربي؛ فكنت بالفعل متداخلًا مع الوضع، أفضل لفظ متفاجئًا وليس مصدومًا، وأكثر ما أدهشني هو الأفراح التي تقام مع الجنازات، والمدارس التي تقع داخل المدافن، والمصانع التي تعمل في قلب المقابر، فهم لا يعيشون فقط في هذا المكان بل يعملون ويتعلمون ويتسوقون ويفرحون أيضًا، فالمكان يشبه أي مدينة طبيعية، فالأسواق منتشرة وكل أشكال الحياة موجودة.
كيف تصف لنا رحلة تصويرك لهذه المنطقة التي صورتها منذ 30 سنة؟
كنت أشعر بالمتعة خلال الرحلة مع إحساسي بالضغط الشديد لأني كنت أريد أن أكمل العمل بشكل عظيم، الرحلة كانت مليئة بالتفكير والعمل والتعرف على بعض الأشخاص، وأود أن أقول أنني في البداية جئت لتكليف معين لكن ما جعلني أعود هو إيماني الشديد بقصة مدينة الموتى.
تواصلنا أيضًا مع مرشده السياحي خلال زياراته إلى مصر وهو الأستاذ مدحت حسني، فهو الذي اصطحبه لأول مرة عندما جاء إد كاشي إلى مصر منذ 30 سنة، واستضافه في منطقة الإمام الشافعي خلال فترة تصويره للمنطقة، وأخبرنا عن اعتزازه بصداقته مع المصور، ومدى تأثيره في حياته رغم زياراته القليلة إلى مصر، وأنه تعلم التصوير وصار يخدم في منطقة الإمام الشافعي إلى الآن بسببه.
وعندما عاد إد كاشي إلى أمريكا أرسل إلى مدحت بعض الصور التي التقطها، الصور التي تحمل وجوه وقصص سكان مدينة الموتى، فقرر مدحت أن يأخذ الصور ويريها لأصحابها، أما في أمريكا فعُرضت الصور وحققت شهرة كبيرة، وأصبحت صورهم تباع في كروت مكتوب عليها قصة المكان ومطبوع على ظهر الكارت صور فرعونية، وأصبح سكان الإمام الشافعي مشهورين وهم لا يدرون.