باريس – رشيد العربي:
وسط نتائج متقاربة ومتوقعة كشفت عنها الانتخابات التشريعية في فرنسا، كانت المقاطعة الفائز الأول بين المتنافسين في السباق نحو البرلمان.
فوفقا للنتائج التي نشرتها وزارة الداخلية صباح الإثنين، فإن “ائتلاف معا” الذي يضم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحلفاءه الوسطيين، حصل على 25.75% من الأصوات، فيما حصد تحالف تاريخي من أحزاب اليسار، بقيادة جان لوك ميلانشون، على 25.66%، فيما تجاوزت نسبة المقاطعة 52%.
وحل في المرتبة الثالثة “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان التي وصلت إلى الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في 24 أبريل/نيسان، وحصل على 20% من الأصوات، متقدما بفارق كبير على اليمين التقليدي الذي ينتظر أن يخسر زعامة المعارضة.
إلا أنه وفقا لـ”فرانس برس”، فإنه يمكن لليمين المتطرف أن يتجاوز 20 نائبا لأول مرة منذ عام 1986، ما سيسمح له بتشكيل كتلة برلمانية.
تحديات جوهرية
تلك الأرقام كشفت عن تحديات جوهرية تواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي تزايدت الشكوك حول قدرته على الاحتفاظ بغالبية المقاعد في الجمعية الوطنية الفرنسية.
وسيتعين انتظار الدورة الثانية التي ستجرى الأحد المقبل لمعرفة ما إذا كان إيمانويل ماكرون الذي أعيد انتخابه في 24 أبريل/نيسان الماضي لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، سيتمكن من الاحتفاظ بالغالبية المطلقة الضرورية لتطبيق سياسته الإصلاحية بحريّة.
وتحالف “معا” بقيادة ماكرون يتوقع أن يحصل على ما بين 275 و310 مقاعد وفق تقديرات “إيفوب فيدوسيال” وبين 255 إلى 295 مقعدا وفق توقعات معهد “ايبسوس”، فيما الغالبية المطلقة هي 289 مقعدًا.
لكن أكثر من واحد من كل ناخبين (ما بين 52 إلى 53% وفقًا للتقديرات) امتنع عن التصويت الذي أجري يوم الأحد، وهو رقم قياسي جديد يسلط الضوء على عدم اهتمام الفرنسيين بالاقتراع الذي يجري إثر الانتخابات الرئاسية.
تلك المقاطعة أقلقت المرشحين للانتخابات والذين أرجعوا أسبابها إلى الحالة المزاجية السائدة بين الناخبين “الغاضبين” من الطبقة السياسية، فيما قالت أوليفيا جريجوار المتحدثة باسم الحكومة، إن المشاركة المنخفضة كانت “القضية الرئيسية”.
نظام التصويت
وبحسب “الجارديان”، فإن نظام التصويت للبرلمان الفرنسي القائم على الدوائر الانتخابية، يعني أن العدد الدقيق للمقاعد لكل مجموعة لا يزال من الصعب التنبؤ به، فلن يتضح شكل البرلمان الجديد إلا بعد الجولة الثانية في 19 يونيو/حزيران المقبل.
وحذرت الصحيفة البريطانية، من أنه إذا فشل حزب ماكرون وحلفاؤه في الحصول على الأغلبية، فسيكون ذلك بمثابة “نكسة” للرئيس، وقد يؤدي إلى إبرام صفقات “فوضويّة” مع الأحزاب اليمينية في البرلمان أو تعديل وزاري غير مرغوب فيه.
إعادة تشكيل المشهد
تؤكد هذه الانتخابات التشريعية أن المشهد السياسي الفرنسي الذي بدأ بانتخاب ماكرون عام 2017، بدأ يعاد تشكيله، فالرئيس الفرنسي سيواجه عقبات في مسار الإصلاحات التي يرغب في إجرائها فيما يتعلق بالمعاشات التقاعدية على وجه الخصوص، إذا ما خسر الأغلبية في الجولة الثانية من الانتخابات التي ستجرى الأحد المقبل.
وفي محاولة للخروج من عنق الزجاجة، قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن: “أمامنا أسبوع للتعبئة… أسبوع واحد للإقناع، وأسبوع واحد للحصول على أغلبية قوية وواضحة، مشيرة إلى أن المجموعة كانت “المجموعة السياسية الوحيدة القادرة على الحصول على الأغلبية”، في إشارة إلى تحالف “معا” بزعامة ماكرون.
وبحسب “الجارديان”، فإن ماكرون يحتاج إلى أغلبية لتجمعه الوسطي في الجمعية الوطنية، حتى يكون له مطلق الحرية في مقترحاته لخفض الضرائب وإجراء تغييرات على نظام الرعاية الاجتماعية، مشيرة إلى أن النتائج البرلمانية ستحدد ميزان القوى لولاية ماكرون الثانية، وتحدد قدرته على تنفيذ السياسات المحلية مثل رفع سن التقاعد وإصلاح نظام المزايا.
في المقابل يسعى تحالف ميلينشون إلى زيادة مقاعده وتقليل عدد الوسطيين التابعين لماكرون، رافعًا قضايا رئيسية مثل زيادة كبيرة في الحد الأدنى للأجور، وخفض سن التقاعد إلى 60 وتجميد أسعار المواد الغذائية الأساسية والطاقة لمعالجة أزمة تكلفة المعيشة.
حكومة مهددة
ودعا الرئيس الفرنسي في نهاية الحملة الانتخابية الأسبوع الماضي، الفرنسيين إلى منحه “أغلبية قوية وواضحة”، مقدمًا نفسه على أنه حصن ضد “التطرف” الذي يجسده في نظره اليسار الراديكالي لميلانشون واليمين المتطرف لمارين لوبان، المرادف برأيه “للفوضى” بالنسبة لفرنسا.
ووفق السيناريو الأقل احتمالا لفوز تحالف جان لوك ميلانشون بأغلبية مطلقة، فإنه سيفرض تعايشا غير مسبوق على رئيس أعيد انتخابه للتو سيُحرم عمليا من جميع سلطاته في السياسة الداخلية.
وأثبت ميلانشون (70 عاماً)، السياسي المخضرم الذي حل ثالثاً في الانتخابات الرئاسية، أنه خصم ماكرون الرئيسي، متقدماً على لوبان، المرشحة النهائية في الانتخابات الرئاسية.
وتفخر الحكومة الفرنسية بأن البلاد سجلت أدنى معدل تضخم (5,2 بالمئة في مايو/أيار الماضي على أساس سنوي) في أوروبا، ووعدت الحكومة التي دعمت بالفعل الاقتصاد بقوة منذ جائحة كوفيد، باتخاذ تدابير أخرى من شأنها حماية القوة الشرائية للفرنسيين، فوراً بعد الانتخابات.
لكن مصير الحكومة التي تم تعيينها في منتصف مايو/أيار الماضي، معلق إلى حين صدور نتائج الانتخابات التشريعية التي ترشح فيها العديد من أعضاء الحكومة وبينهم رئيسة الحكومة الحالية، وبالتالي سيكون على المرشحين من أعضاء الحكومة البالغ عددهم 15 الاستقالة في حال هزيمتهم بموجب العرف الساري منذ 2017 والذي كرسه ماكرون.