كتبت – خلود النجار:
مر أسبوعان، ولا تزال الهزيمة الانتخابية المدوية لكامالا هاريس تجعل الديمقراطيين يشيرون بأصابع الاتهام إلى من – أو ماذا – يجب إلقاء اللوم عليه، فهل كان على بايدن الانسحاب في وقت آخر، أو اختيار مرشحاً غير هاريس، أو ربما تترشح باستقلال عن الحزب الديموقراطي، أو استخدام نهجاً آخر في الدعاية لها.
وفي مقال تحليلي لصحيفة الجارديان البريطانية، تم رصد سبب فشل هاريس في الاحتفاظ للديموقراطيين بالسلطة، وهو لم يكن فقط الدفاع عن سجل بايدن المذري في التضخم والهجرة باعتبارها يسارية متشددة، وليس السبب أيضاً كما زعم الديمقراطيون الاستياء العنصري الأبيض، فإن هذه قصة أصعب لسردها وفقا لما أظهرته نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية من مكاسب كبيرة حققها الجمهوريون بين الناخبين السود واللاتينيين والآسيويين والأمريكيين الأصليين، فإن هاريس كانت اسوء مرشح ديموقراطي للرئاسة الأمريكية بكل تأكيد، وأكثر من أي فرد بعينه.
كانت هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على المؤسسة السياسية القائمة في أميركا، فبدءاً من فوز باراك أوباما في عام 2008، أظهر الناخبون المترددون مراراً وتكراراً تفضيلاً قوياً لعوامل التغيير، ولم يتوقف هذا الاتجاه إلا لفترة وجيزة في الانتخابات التمهيدية لعام 2020، عندما سمح وباء كورونا والنهاية الفوضوية لولاية ترامب الأولى لجو بايدن بحملة على “العودة إلى الوضع الطبيعي”.
وبدلا من ذلك، كل ما حصده الناخبون من فوز بايدن هو فشل إدارة بايدن للأزمة، وإغلاق المدارس لفترة طويلة، وارتفاع التضخم والتوسع الدراماتيكي للسياسات الثقافية التقدمية، مما أعاد التغيير إلى القائمة.
من يمثل الحزب الديمقراطي في الواقع؟
إن رد الفعل العنيف ضد التوجهات السياسية للديموقراطيين مدفوع باتجاهين هيكليين أطول أمداً، الأول هو إعادة تنظيم الناخبين سياسياً على أسس عرقية وتعليمية، إذ كان إعادة استقطاب الناخبين البيض غير الحاصلين على تعليم جامعي نحو الحزب الجمهوري سبباً في فوز ترامب بالانتخابات في عام 2016، وكانوا أيضاً سبباً في اقترابه من الفوز في عام 2020.
لذا سار الديموقراطيون على مسار الجمهوريين في انتخابات العام الحالي،وحاولوا استقطاب الطبقة العاملة وخاصة الناخبين السود واللاتينيين غير الحاصلين على تعليم جامعي أيضاً.وكما أوضح خبير استطلاعات الرأي الجمهوري باتريك روفيني، أن الناخبين من الأقليات “تخلصوا أخيراً من ذلك الشعور بالانغلاق داخل المجموعات العرقية، وانتقلوا نحو الحزب الذي يشترك معهم في ميولهم الإيديولوجية الأساسية.
الاتجاه الثاني الذي تبناه الديموقراطيون هو ببساطة محاولة التأثير الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال مسئول وسائل الإعلام السابق في الاستخبارات الأمريكية، مارتن جوري في كتابه “ثورة الجمهور وأزمة السلطة في الألفية الجديدة”، أن تسونامي المعلومات التي أطلقها رواد السوشيال ميديا يشبه ذلك التأثير الذي عمل عليه الديموقراطيون لإطلاق ثورات الربيع العربي، وهى نفس الطريقة التي تسببت في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن الفساد أكثر سهولة من أي وقت مضى، ولم يكن حشد الحركات الجماهيرية أكثر سهولة من أي وقت مضى.
عنصرية الديموقراطيين.. كانت هزيمة هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية نتيجة لتبني هذين الاتجاهين، الاستقطاب العرقي التعليمي، إذ اتجهت حملة هاريس نحو استهداف الجمهوريين العمال السود في الضواحي، وفي الوقت نفسه، تراجعت وسائل الإعلام الرئيسية إلى الخلف أمام وسائل الإعلام البديلة، وتويتر، ودائرة البث الصوتي.
ويرى جوري أن تظاهر هاريس الدائم بالعراقة والنزاهة وتصنعها المثالية النسوية، بينما يستهدف ترامب عامة الشعب بخطابات ماراثونية لا تقوى هاريس على إلقاءها، وعدم رغبتها في إجراء المقابلات، إلى رفضها الارتباط بـ “طفلة من الطبقة المتوسطة” في المقابلات القليلة التي أجرتها.
وبالتالي، من المؤكد أن الديمقراطيين سيتعلمون كل الدروس الخاطئة من هذه الانتخابات، في عام حيث يخسر القائمون على السلطة الانتخابات، يعني رفض الشعب الأمريكي التام للخضوع لنظام المؤسسة السياسية القائمة، فكان على هاريس ليس فقط الإشارة إلى استقلالها عن المؤسسة السياسية القائمة، لكنها بدلاً من ذلك ضاعفت دعمها للحزب الديموقراطي باعتباره المدافع عن “المؤسسات” – نفس المؤسسات التي سئم منها العديد من الناخبين بوضوح.
مرة أخرى، لم يكن هذا خطأ هاريس كشخص بقدر ما كان يعكس القيود التي كان أي مرشح في مكانها ليواجهها، بصفته ممثل حزب العاملين المتعلمين ذوي المعرفة، وممثل نخب السياسة والنقابات في القطاع العام، فإن الحزب الديموقراطي هو ببساطة حزب القائمين على المؤسسات.