dhl
dhl

رمضان في الجزائر.. عادات وطقوس من وحي تراث وهوية

الجزائر – خير الدين ماجوري:

عادت الأجواء الرمضانية إلى الجزائر بعد سنتين من شبه انقطاعها بسبب كورونا، إلا أنّه ورغم ذلك ما زال الجزائريون يبحثون عن “رائحة رمضان”.

“ريحة رمضان” تعبير مجازي في لهجة الجزائريين، لكنه يعبر عن قيم وعادات وطقوس يكافح أهل هذا البلد العربي للحفاظ عليها ومحاربة طمسها في شهر عظيم لا يتكرر إلا مرة في العام.

طلاء المنازل وشراء الأواني

حافظ الجزائريون على عادات استقبال شهر رمضان الفضيل، ومنها طلاء المنازل بالأبيض وشراء الأواني الجديدة.

أسواق مكتظة وحركة سير بطيئة، عاشتها العاصمة الجزائرية، خصوصاً محلات بيع الأواني، إذ يحافظ أهالي الجزائر العاصمة على عادة “شراء الأواني الجديدة” والتي يعتبرونها “فأل خير”، رغم أن بعضا من سكانها أكدوا أنها “عادة مستحدثة”.

وذكر سيد علي  أنّ العادة الحقيقية المستمدة من تراث المدينة هو استخراج أوانٍ خاصة بشهر رمضان مثل القدر والصحون، و”ليس شراء أوان جديدة”، مع اقتناء أغطية جديدة للمائدة.

أما عن طلاء المنازل من الداخل باللون الأبيض، فقد ذكرت السيدة فتيحة من العاصمة التي وجدناها داخل أحد محلات بيع الأواني في منطقة “ساحة الشهداء”، أنها حريصة على طلاء منزلها وخاصة المطبخ باللون الأبيض عشية كل شهر رمضان، وتشير إلى أن ذلك يعد في موروثهم “استقبال رمضان باللون الأبيض”.

صلاة التراويح

أما صلاة التراويح فلها اهتمام بالغ من قبل معظم الجزائريين وفي جميع المناطق، إذ تمتلئ المساجد بعد دقائق بعد أذان المغرب.

ويفضل كثير من الجزائريين “الإفطار على مرحلتين”، الأولى بعد أذان المغرب، حيث يحتسون “الشوربة” باعتبارها الطبق الرئيسي، أما “الشوط الثاني” فيكون بعد إكمالهم صلاة التراويح.

وبعد منعها لعامين متتاليين بسبب تفشي جائحة كورونا، عادت صلاة التراويح إلى مساجد الجزائر، وهي الصلاة التي كانت منذ القدم عند أهالي الجزائر “صلاة إلزامية”.

مطاعم الرحمة

ومع قدوم شهر رمضان المبارك من كل عام، تفتح الآلاف من مطاعم الرحمة أبوابها في الجزائر، وحتى المطاعم الشعبية تتحول إلى مطاعم مجانية للفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، فلا يكاد التنقل من مكان إلى مكان أو من منطقة إلى أخرى إلا وتصادف مطاعم إفطار تشهد إقبال عدد كبير من الناس، تترجم التضامن والتكافل الاجتماعي والرحمة في المجتمع الجزائري، في شهر الرحمة.

وتتكفل الحكومة ببعض المحتاجين عن طريق الهلال الأحمر الجزائري، إضافة إلى تعوّد كثير من الجزائريين على تحويل مطاعمهم ومحلاتهم إلى مطاعم للرحمة، وفي كل منطقة تجد أيضا جمعية “ناس الخير” وجمعيات خيرية أخرى، تشرف على بعض المطاعم، أو تساهم في دعم بعضها بالمتطوعين وحتى بالمواد الغذائية.

وفي مطاعمها يعكف مجموعة من الشباب على تحضير وجبات الإفطار الرمضاني التي لا تختلف عن الوجبات المنزلية، حتى يحس كل من يرتادها أنه بين أهله وناسه، وإن غابت العائلة أو المأوى فإن هذه المطاعم ضمنت لضيوفها الجو الرمضاني العائلي.

وما يميز عمل هؤلاء، أن الطهاة والمتطوعين اختاروا التضحية بالاجتماع مع عائلاتهم وكرسوا كل وقتهم للفقراء والمحتاجين، ومنهم من رفض حتى التصوير معه أو رفض إعطاء اسمه، وكلهم على سبب واحد، وهو “رفض الرياء” والخوف من “ضياع الأجر”.

أما عن الوجبات المقدمة، فلا فرق بينها وبين تلك الوجبات التي يتم تحضيرها في منازل الجزائريين في رمضان، حتى إن بعضا منهم يقول إن وجبات مطاعم الرحمة في الجزائر “وجبات فاخرة”، حيث توفر المطاعم لضيوفها الرمضانيين “الشوربة الجزائرية” ومختلف الأطباق التي تشتهر بها الجزائر في رمضان (البوراك، اللحم لحلو، شخشوخة الظفر، وغيرها)، إضافة إلى الفاكهة (الموز، المشمش، البطيخ، التمر، وغيرها).

الوزيعة

تشتهر الجزائر أيضا بعادة تكافل اجتماعي قديمة منذ عدة قرون تعرف بـ”الوزيعة”، خصوصاً في منطقة القبائل الأمازيغية.

إذ تنتشر بتلك المناطق عادة اسمها “الوزيعة” أو “تمشرط” أو “تيمشراط” باللهجة الأمازيغية، والتي تتكرر في كل المناسبات الدينية، إذ يولي أهل تلك المدن أهمية قصوى لشهر رمضان، الذي يعتبرونه شهرا للفرح بالتكاتف والتكافل الاجتماعي من خلال عادة “الوزيعة” التي تبقى ذلك التقليد الاجتماعي الراسخ في عدد كبير من مناطق الجزائر.

ومنطقة القبائل الأمازيغية، هي من أكثر المناطق الجزائرية التي تعد نموذجاً لـ”تمشرط”، حيث يقوم أعيان وكبار المنطقة وميسوري الحال بجمع مبالغ مالية، وبمشاركة مختلف العائلات لشراء بقرة أو عجل أو أكثر، ويتم توزيع لحمها “بالتساوي” على أهل القرية بـ’فقرائها وأغنيائها بالتساوي”.

ما يعني أنه لا يمكن لأهل القبائل في كثير من قراها ومناطقها، أن يصوموا رمضان “وبينهم محتاج”، فهي عادة راقية وأصيلة ومتجذرة تهدف للحفاظ على تماسك المجتمع، ونابعة من فهمهم العميق لدينهم الحنيف.

قلب اللوز

قلب اللوز هي حلوى تقليدية جزائرية قديمة، يزداد الإقبال عليها بشكل كبير جدا في شهر رمضان، فهي الحلوى التي لا يمكن أن تكون غائبة عن مائدة الإفطار .

وشهدت محلات بيع حلوى قلب اللوز اكتظاظاً كبيرا، وطوابير طويلة ككل عام.

قلب اللوز بحسب “الشيخ جمال” الذي يملك أقدم محل لبيع قلب اللوز بمنطقة “باب الوادي” هي ليست مجرد حلوى رمضانية، إذ أشار بأنها “جزء من موروث الجزائريين”.

يقول صاحب محل بيع هذه الحلوى إن قلب اللوز “تجمع العائلات والأحباب على طاولة واحدة، هي مجرد سبب للم الشمل، مع أكواب من الشاي”.

ويضيف: “قلب اللوز هي ريحة رمضان التي لا يمكن أن تزول، بها يستقبل الضيف، وهي في الوقت ذاته هدية يأخذها أهل العاصمة في زياراتهم إلى أقاربهم وأحبابهم سواء للإفطار أو خلال السهرات الرمضانية”.

السهرات الرمضانية

سهرات الجزائريين في رمضان تختلف من منطقة لأخرى، فهي تتراوح بين السهرات العائلية حول صينية شاي وحلويات رمضانية مثل “قلب اللوز” و”الزلابية” و”السيقار” و”الصامصة” وغيرها.

ومنهم من يفضل قضائها مع الأصدقاء لكن حول لعبة “الديومينو” أو “الديمينو”، وهي اللعبة المفضلة لكثير من الجزائريين في سهرات شهر رمضان.

وفي جنوب الجزائر تختلف أجواء السهرات الرمضانية، ففي ولاية ورقلة توجد عادة “الداير”.

ويرتبط شهر رمضان في ولاية ورقلة الجزائرية بعادة قديمة جدا اسمها “الدَّاير”، ليست مجرد عادة اجتماعية، لازال سكان ورقلة متمسكين بها منذ مئات السنين.

وتتمثل هذه العادة في لقاء في كل أيام رمضان بعد صلاة التراويح بين سكان منطقة معينة أو حي شعبي بالمدينة أو أفراد العائلة في بيت أحدهم.

ومن هنا تبدأ مشاهد تلك العادة الاجتماعية، عندما يجد الضيوف في بيت المضيف سفرة متنوعة من أطباق وحلويات تقليدية، يكون فيها الشاي الصحراوي “ملك الجلسة” الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

ومن أبرز الأكلات التقليدية التي يتم تحضيرها لاستقبال ضيوف “الدَّاير” أطباق متنوعة من المعكرونة و”التشيشة” المصنوعة من مادة “الفريد” وغيرها.

أما عن سر تسميتها بعادة “الدَّاير”، فيعود ذلك إلى توالي تلك السهرات طوال أيام رمضان “بشكل دائري عند كل بيت” حسب موقع الحاضرين في الجلسة التي تكون بشكل دائري، وهو الموقع الذي يحافظون عليه في كل الجلسات طوال أيام رمضان.

يبدأ أصحاب “الدَّاير” بتناول تلك المأكولات وتبادل الحكايات، ثم يختمونها بقراءة جماعية للقرآن الكريم، وتبادل القصص والمعلومات الدينية وأهاليل دينية في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

ويمتد ذلك إلى غاية اقتراب موعد السحور، أن مدة عادة “الدَّاير” في كل ليلة تقارب الـ4 ساعات، على أن يتم تحديد منزل جديد يجتمعون فيه في اليوم الموالي، ويفترقون للتسحر وأداء صلاة الفجر.

ومن أهم مميزات عادة “الدَّاير” الجزائرية أنها تهدف إلى “تعزيز أواصر المحبة والأخوة وصلة الرحم وترميم العلاقات الاجتماعية بين الجيران أو العائلات من أي خلافات أو نزاعات”.

ويقول أهل ورقلة إن عادة “الدَّاير” “تمحي” رواسب وهموم الحياة اليومية ومشاكلها في جلسة واحدة، تذكرهم بأهمية التعايش فيما بينهم، ويركزون في ذلك على قصص بها عِبر ومواعظ التآخي.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.