في وقت بدأ الحديث عن ضرورة تعزيز تبني الطاقة المتجددة عالميا بفعل الأزمة الأوكرانية وتخفيف الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية الروسية، يدور الحديث اليوم عن أن الطاقة المتجددة تمر بأسوأ فتراتها.
يعود هذا التشاؤم تجاه الواقع الحالي لاستثمارات الطاقة المتجددة، إلى أن كلفة بناء محطات طاقة شمسية أو طاقة الرياح، زادت بنسبة 18% عما كانت عليه قبل الحرب.
ومرد هذه الزيادات في الكلفة إلى أن أوكرانيا هي إحدى أكبر مصادر المواد اللازمة لتصنيع الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، في العالم، وتزود دول التكتل الأوروبي بحاجتها من الألواح الشمسية على وجه الخصوص.
قبل أزمة الأسعار
ألقت الحرب بؤرة تركيز حادة على خطوط الصدع في نظام الطاقة في أوروبا؛ إذ تعد روسيا أكبر مورد للغاز والنفط الخام والفحم في الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل 45% و 27% و46% من الواردات على التوالي.
أدت الروسية إلى إعادة تشكيل سريعة وأساسية لسياسة الطاقة الأوروبية، حيث أصبح أمن الطاقة الآن الشاغل الأساسي للقارة؛ على المدى القصير، فإن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك توسيع استخدام توليد الطاقة التي تعمل بالفحم.
ولطالما كان الاتحاد الأوروبي من أبرز الداعين للوصول إلى الحياد الصفري داخل التكتل، ومعنى ذلك أن اعتماده على الطاقة الروسية يجب أن يصل إلى الصفر مقابل تدشين مشاريع طاقة متجددة.
تهدف المفوضية الأوروبية إلى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية عام 2022، وأن تصبح مستقلة تمامًا عن جميع أنواع الوقود الأحفوري الروسي قبل فترة طويلة من عام 2030.
وخلقت الأزمة الأوكرانية الحالية دافعا إضافيا لدول الاتحاد الأوروبي، للانتقال إلى مستقبل خالٍ من الوقود الأحفوري بسرعة أكبر، لكن ذلك لن يكون قابلا للتحقيق اليوم، بسبب قفزات في أسعار مواد إنتاج الطاقة المتجددة.
مصدر أدوات الطاقة المتجددة
تتعرض مشاريع الطاقة المتجددة الآن للضرر من ارتفاع أسعار المواد الرئيسية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، مثل الألمنيوم والصلب، فضلاً عن ارتفاع تكاليف النقل الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط، والتي ارتفعت بأكثر من 50%.
تعتبر التكاليف المتزايدة حادة بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث كانت العديد من المشاريع تواجه بالفعل زيادات جزئية بسبب التعريفات التجارية التي تستهدف الصين، المنتج المهيمن للخلايا الشمسية ومكونات الطاقة المتجددة الأخرى.
تم تأجيل ثلث الطاقة الشمسية على نطاق المرافق في الولايات المتحدة، بينما لا تتوفر النسبة لدى الاتحاد الأوروبي، إذ تم تأخير 13% من المشاريع المخطط لها لإكمال هذا العام لمدة عام أو تم إلغاؤها دال الولايات المتحدة، وفق تقرير Wood Mackenzie وجمعية صناعات الطاقة الشمسية.
وارتفاع أدوات توليد الطاقة الرسمية والرياح، ليست مرتبطة فقط بالحرب الروسية، لكن الزيادات بدأت منذ العام الماضي، مع ارتفاع كلف النقل، وزيادات على أسعار المواد الخام، بالتزامن مع التعافي الاقتصادي العالمي.
وجد تقرير صادر عن شركة LevelTen Energy، وهي سوق للطاقة المتجددة، أن أسعار العقود طويلة الأجل لمشتريات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ارتفعت بشكل كبير العام الماضي في كل سوق طاقة تنافسية تقريبا في الولايات المتحدة.
قفزت أسعار الربع الرابع من العام الماضي بنسبة 12.1% للطاقة الشمسية و19.2% لطاقة الرياح مقارنة بالعام السابق، بحسب مؤشرات الشركة.
بينما تشير توقعات Wood Mackenzie إلى ارتفاع أسعار الطاقة الشمسية وطاقة زادت بمتوسط 15% بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، مقارنة مع الربع الأخير 2021.
على الصعيد العالمي، شكلت طاقة الرياح والطاقة الشمسية حوالي 6.4% و4% من توليد الطاقة العام الماضي، على التوالي، ارتفاعًا من 3.8% و1.4% قبل خمس سنوات، مع توقع مزيد من النمو الحاد.
انخفضت تكلفة توليد الطاقة الشمسية إلى 45 دولارا للميجاوات في الساعة العام الماضي، نزولا من 381 دولارا في عام 2010، وفقًا لتقديرات ستاندرد آند بورز.
في الوقت نفسه، انخفضت تكلفة توليد الرياح البرية إلى 48 دولارا للميجاوات/ساعة، نزولا من 89 دولارا في عام 2010.
والشهر الماضي، أعلنت شركة Orsted A / S الدنماركية، وهي مطور رئيسي لطاقة الرياح، إن التضخم وتأخيرات التصاريح يضغطان على مشاريع طاقة الرياح البحرية المخطط لها في الولايات المتحدة.
وتعتبر أوكرانيا واحدة من أكبر 5 منتجين للنيكل حول العالم، حيث ارتفع سعر النيكل (المستخدم على نطاق واسع في بطاريات السيارات الكهربائية) والألمنيوم (المستخدم في إطارات الألواح الشمسية، والكابلات، والمركبات الكهربائية).
بينما روسيا مسؤولة عن 7% من صادرات النيكل العالمية وحوالي 6% من صادرات الألمنيوم العالمية، لذلك هناك خطر كبير من تعطل الإمدادات.
وبحسب بيانات البورصة العالمية، ارتفعت أسعار الألمنيوم بأكثر من 20% خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة مع الربع الأخير 2021.
بينما في عام 2021، قفزت أسعار الألمنيوم بنسبة 50% تقريبًا؛ فيما ارتفعت أسعار النيكل بشكل كبير حيث تفاقمت المخاوف بشأن تعطل الصادرات الروسية من قبل منتج المعادن الصيني الذي قام بتغطية مركزه القصير.
كل هذا يعني المزيد من التكاليف المعاكسة لشركات التحول في مجال الطاقة، والتي كانت تكافح بالفعل مع ارتفاع التكاليف في أعقاب الوباء، لا سيما في مجالات مثل الصلب والخدمات اللوجستية.
السؤال الأكبر هو، ما إذا كان ارتفاع الأسعار يؤثر على الجدوى الاقتصادية لهذه التقنيات (مع ترك الأولويات الجيوسياسية جانباً للحظة).