dhl
dhl

“النهضة”.. هل ينجو ماكرون من “الفأل الشؤم” في الشرق الأوسط؟

تحمل التسميات، خاصة في ميادين السياسة، في طياتها دلالات ورسائل وربما أيضا بشائر، تتغير بتغير الموقع والتاريخ.

والخميس الماضي، أعلن ستانيسلاس غيريني، الأمين العام لحزب “الجمهورية إلى الأمام”، الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن تغيير اسم الحزب إلى “النهضة”.

وعلى الأرحج لن يلتفت الفرنسيون وربما الغربيون عامة للظلال القاتمة لهذه التسمية في صيغتها الأصلية، لكن نسختها الشرق أوسطية بحكم التاريخ القريب تبدو مختلفة.

ومن حيث الدلالة يأمل القائمون على الحزب الفرنسي الجديد أن يعبر عن الوفاء “لإرادة الرئيس”، القائمة على “اختيار النور على الظلمة دائما” و”وفيا لما نقوم به على الساحة الأوروبية”، وفق ما قاله غيريني لتفسير أسباب اختيار الاسم الجديد بعد أن حسم ماكرون الانتخابات الرئاسية لصالحه الشهر الماضي متفوقا على غريمته اليمينية ماري لوبان.

كيف يقرأ المصريون “الاسم”؟

في مصر ستبدو التسمية الجديدة “شؤما”، بحكم خبرة المصريين السياسية خلال العقد الماضي.

وترتبط “النهضة” في أذهان المصريين بأمرين كلاهما مر، الأول المشروع الذي أطلقه الرئيس الإخواني محمد مرسي الذي توفي في محبسه قبل 3 أعوام بعد إدانته في قضايا تتعلق بالإرهاب والتخابر.

وفي 2012 أطلقت جماعة الإخوان الإرهابية اسم مشروع النهضة على برنامجها في الانتخابات الرئاسية، وهو مشروع حمل عبارات رنانة وخلا من سياسات مرحلة متماسكة في صيغة أقرب للأحلام الوردية التي تحولت بعد عام واحد فقط إلى كابوس أرهق المصريين.

ولم يكن مشروع النهضة خاصا بمرسي حينما أعلن تنظيم الإخوان عنه، إذ كان حينها معدا للرجل القوي في الجماعة خيرت الشاطر المرشح الأول للإخوان في ذلك الوقت.

والشاطر يقضي حاليا عقوبة السجن لاقترافه جرائم إرهابية، وهو أمر اعتاد عليه، إذ إنه في عام 2011 كان قد خرج لتوه من السجن أيضا بعد إدانته في جريمة تتعلق بتنظيم عرض عسكري لعناصر التنظيم في جامعة الأزهر.

ولم يفلح الشاطر في اجتياز شروط الترشح للانتخابات الرئاسية فدفع التنظيم ببديله مرسي.

وحينها سخر المصريون من مرسي قائلين إنه “صاحب صاحب مشروع النهضة”، الذي خاض على أساسه المرشح الإخواني الانتخابات التي لا تزال نتائجها تثير الجدل في البلاد.

وتحول “النهضة” من كابوس للمصريين إلى لعنة أصابت جماعة الإخوان حينما نظمت قوى سياسية عشرات من الفعاليات الاحتجاجية والمسيرات السلمية التي وصلت ذروتها في 30 يونيو/حزيران عام 2013 بثورة عارمة ضد الجماعة أطاحت بها من الحكم وألقت بقياداتها في السجن على خلفية قضايا إرهاب.

لكن الاسم في مصر لم يحمل فقط كامل دلالته من المشروع الإخواني فقط، فقد أطلقت إثيوبيا أيضا اسم النهضة على مشروعها العملاق لبناء سد على النيل الأزرق الذي يمد مصر بنحو 80% من حصتها من مياه النيل.

ولا يزال الجدل قائما بين أديس أبابا والقاهرة بشأن التداعيات المحتملة للمشروع، لكن ارتباط السد بإمكانية التأثير على حصة مصر من المياه أكسب التسمية مزيدا من الظلال القاتمة في مخيلة المصريين.

العشرية التونسية

لم يكن اسم النهضة في تونس مجرد برنامج سياسي بل كان حركة تسلطت على البلاد لنحو عقد، عاني فيها أبناء البلد الشمال أفريقي من الأزمات الاقتصادية والانفلات الأمني والإرهاب والإقصاء السياسي.

لكن البداية الحقيقية كانت في عام 1981 حينما أعلن الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة أنه لا يرى مانعا في وجود أحزاب أخرى إلى جانب الحزب الحاكم.

في ذلك الوقت كانت الحركة الإسلامية قد تلقت صفعة قوية من الأمن التونسي حينما تم الكشف عن التنظيم السري للجماعة الإسلامية، لكن قادتها عقدوا مؤتمرا سريعا أعلنوا فيه التخلي عن العمل السري والتوجه إلى العلن لتتأسس “حركة الاتجاه الإسلامي”، التي اصطدمت بدورها بالسلطات الأمنية في تونس.

وفي فبراير/شباط 1989 تغير الاسم إلى “حركة النهضة” في مسعى للهروب من قيود قانون الأحزاب الذي منع “إقامة أحزاب على أساس ديني”.

ومع الثورة التونسية فيما عرف بـ”الربيع العربي” وجدت النهضة ضالتها ودفعت بكوادرها لتتصدر المشهد السياسي وتتمكن من الفوز بأكثرية المجلس التأسيسي ولاحقا بمجلس النواب حينما أسست الجماعة الإرهابية تحالف “التريكا” الذي ضم إلى جانب النهضة كلا من مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.

وفي ظل حكم النهضة عرفت تونس الاغتيالات السياسية، حتى إنه في أغسطس/آب عام 2021 استدعت السلطات القضائية راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإخوان للتحقيق معه في اتهامات بضلوع الجماعة في اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وكانت هيئة الدفاع في قضية بلعيد والبراهمي قد فضحت، خلال مؤتمرات صحفية سابقة، وجود جهاز سري لحركة النهضة، أحكمت عبره سيطرتها على الدولة وأجهزتها طيلة السنوات الماضية.

وخلال عقد من حكم الجماعة تردى الوضع الاقتصادي في تونس ونشطت جماعات إرهابية عابرة للحدود في شرق البلاد بحكم الصلات التي جمعتها بحركة النهضة، بحسب مناهضين لجماعة الإخوان.

وفي 25 من يوليو/تموز الماضي أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد قرارات حاسمة في وجه جماعة الإخوان وحركة النهضة بدأت بتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة، قبل أن يصدر لاحقا قرار حل المجلس النيابي بعد محاولة إخوانية للتآمر على البلاد.

ومساء أمس الخميس قال سعيد إن الإخوان وحلفاءهم تسللوا إلى المؤسسات وسعوا لتفجير الدولة، بواسطة الدستور، الذي أقروه قبل 10 سنوات.

وأضاف سعيد -الذي كان يتحدث من مقر وزارة الداخلية- أن المحاولة اليائسة لحرق البلاد ستفشل، مشيرا إلى أن الحرائق التي حدثت يوم عيد الفطر ليست وليدة صدف.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها الرئيس التونسي اتهامات مباشرة وغير مباشرة لجماعة الإخوان التي سعت من جهتها لاستدعاء التدخل الخارجي في البلاد سياسيا وحتى عسكريا.

وشب الخميس حريق ضخم في واحة بمدينة الحامة التابعة لولاية قابس جنوبي البلاد، في ثاني حريق كبير تشهده المنطقة في غضون أيام. كما اندلع حريق آخر في ميناء صفاقس.

وقبل أيام التهمت نيران ضخمة “سوق جارة” للحنة في قابس أتت على نحو 30% من المحلات التجارية بداخله بالكامل، ما تسبب في أضرار مادية بالغة للتجار.

مؤشرات فرنسية

ولا تبدو المؤشرات في باريس طيبة فمع إعلان حزب ماكرون عن اختيار اسم النهضة حتى أعلنت أحزاب اليسار الفرنسي التوصل إلى اتفاق بشأن تحالفها خلال الانتخابات، بهدف ضمان أداء قوي بما يكفي لعرقلة خطط إصلاحية مثيرة للجدل وضعها ماكرون.

وقال النائب في البرلمان الفرنسي أدريان كاتيناز، من حزب “فرنسا الأبية”، لإذاعة “فرانس-إنفو”، إن الحزب الاشتراكي الفرنسي وحزبه المنتمي لليسار المتطرف “توصلا لاتفاق من حيث المبدأ” لتشكيل تحالف من أجل الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو/حزيران المقبل.

ويعد التحالف الذي تم تشكيله تحت قيادة جون-لوك ميلونشون زعيم حزب “فرنسا الأبية” بمثابة محاولة لحرمان ماكرون من الأغلبية في البرلمان في تصويت يجرى في الفترة من 12 وحتى 19 يونيو/حزيران، ما قد يعرقل خطته المؤيدة لقطاع الأعمال.

وتمكن ميلونشون من توحيد الخضر والشيوعيين والاشتراكيين تحت مظلة جديدة، مما قد يثير الدهشة في أنحاء دول الاتحاد الأوروبي، إذ يهدف التحرك لتحدي المعتقدات الأساسية للسياسات الاقتصادية للتكتل.

وقال كاتيناز: “سنتمكن من هزيمة إيمانويل ماكرون، ويمكننا أن نحقق ذلك بأغلبية تحكم من أجل برنامج جذري”.

وأعيد انتخاب ماكرون رئيسا لفرنسا في 24 نيسان/ أبريل الماضي، بحصوله على 58.55% من الأصوات في مواجهة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التي حققت 41.45%، ما أظهر انقساما كبيرا في البلاد.

وتراجعت شعبية إيمانويل ماكرون أربع نقاط مئوية خلال شهر، فيما بات جان لوك ميلونشون، مرشح اليسار الراديكالي للانتخابات الرئاسية السابقة، الشخصية الثانية التي تتمتع بأكبر شعبية في فرنسا بعد إدوار فيليب الذي تشهد علاقته بالرئيس توترا راهنا، على خلفية الانتخابات التشريعية.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.