أبوظبي – حسن المهيري:
عكس تتويج الشاعرة والروائية الإماراتية الشيخة ميسون صقر بجائزة زايد للكتاب، فرع الآداب، نجاحا متعدد الأبعاد، لها ولنساء الإمارات.
وعبرت ميسون صقر عن تلك الأبعاد المتداخلة لنجاحها، عندما أهدت فوزها إلى “الإمارات الوطن الأم، ولمصر أم الدنيا حبيبة القلب، وللشارقة الذاكرة الأولى، ولأبوظبي الاكتشاف والوعي والتعلم”.
ونالت ميسون صقر جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب عن كتابها “مقهى ريش”، الصادر عن دار نهضة مصر، وهو يتناول أحد أشهر مقاهي العاصمة المصرية، القاهرة، التاريخية، وملتقى كبار المثقفين والأدباء المصريين والعرب.
وأوضحت أن الجائزة لها وقعٌ مختلف عليها كإماراتية، إذ تحمل اسما لشخصية عربية أصيلة لها دورها في إقامة دولة الإمارات العربية المتحدةـ مضيفة: “كما أنني أشعر بالامتنان والفخر، وأشرف بهذه الجائزة التي هي وسام على صدري كأول كاتبة إماراتية تنالها في فرع الرواية منذ نشأة هذه الجائزة وإن حاز ذلك الشرف ثمانية آخرون في الفروع الأخرى في شخصية العام، والنشر والتقنيات الثقافية، والتنمية وبناء الدولة، وفي أدب الطفل والناشئة، وانضم إليهم الآن بفخر وفرح واعتزاز”.
ورأت “ميسون” أن الدول حين تكرم الكتاب والكتب فإنها تضعهم “ككتاب ومثقفين ومبدعين في مقدمة التنمية والتحضر والولوج إلى الآخر كثروة حقيقية من ثروات المجتمع عن طريق إصدار الكتب وإقامة المعارض لبيعها وتقديم الجوائز للمبدعين والناشرين”.
واعتبرت أن المبدع يمثل “ثروة حقيقية مثل لاعب الكرة والممثل والإعلامي بل أكثر لأنه يؤدي عملا يستلزم أداة هي لغتنا التي نحافظ عليها ونودعها خزينة القيمة”.
وحول فلسفتها في الكتابة والرواية، أوضحت أن “الروايات هي أرشيف الحياة الواقعية ممزوجا بالحلم والشغف كإضافة أخرى للقدرة على الحياة، وأثرها الأهم في كونها وثيقة إبداعية بين الواقع والخيال”، مضيفة: “نكتب سيرنا وتاريخنا ونخلطه في أدبنا لا بشكل استشراقي كما يحدث من جانب الآخر عنا، لكن بشكل حريّ أن ننظر إليه في عمقه”.
وتابعت: “نحتفي ونتألم ونحكي وننظر ونرى ونحلل وندين ونحب ونضحك من خلال عين تكحلت دوما بواقعية المكان وتاريخه في بؤرة نعرف خصوصيتها، وبين شخصيات لدينا مفاتيحهم وأسرارهم، سرياليتهم وواقعيتهم المغموسة بتاريخ حي ينبض من الانتقال البكر إلى عالم اللامحدود، ومن التفتت والانهيارات والأزمات مع الأفراح الصغيرة والعواطف الأجمل”.
وحول مغزى موضوع كتابها الفائز بالجائزة، أوضحت ميسون صقر أن “مقهى ريش” يشكل نافذة تطل على مصر كلها، ونقطة ارتكاز للدخول إلى التاريخ والفن والحالة الاجتماعية في مصر خلال فترات زمنية مختلفة. وكشفت أن مقهى ريش شهد غناء أم كلثوم (كوكب الشرق) للمرة الأولى في القاهرة وأن مساحة تقدر بثلاثة أمتار من المقهى اقتطعت لتمثل المسرح الذي غنت عليه أم كلثوم وأيضا الفنان زكي مراد.
وأوضحت أنها لم تقصد الكتابة عن المقهى بشكله الراهن ولا عن المكان المجرد، بل عن ماضيه وما كان يمثله من فضاء لجمع المثقفين والسياسيين وعن إسهامه في تشكيل الوعي وإثراء تجارب أدبية كان لها أثر كبير في التحولات الجوهرية التي طالت المجتمع والساحة الثقافية المصرية منذ تأسيس المقهى عام 1908.
وكشفت أنها اقتفت أثر آخرين كتبوا عن المكان، فالشاعر المصري فؤاد حداد كتب قصيدة في محبة كوبري إمبابة وأمل دنقل كتب قصيدة عن منصة تمثال ميدان التحرير التي لم يوضع عليها أبدا أيّ تمثال ليسميها الكعكة الحجرية، وأحمد فؤاد نجم كتب عن مثقف ريش، موضحة أنها الحياة المعجونة بالتداخل والمحبة والوعي وإدراك قيمة الفن.
وتلفت “صقر” إلى أن كتاب “مقهى ريش” هو رحلة بحث عن الحضور الطاغي في تكوين المدينة وسيرتها وشخصيتها، من خلال نقطة صغيرة فيها هي المقهى، وتحديدا ثقافة المقهى، لا كمكان للجلوس فقط، وإنما كحاوية مكان وتاريخ وزمن وأحداث وعلاقات. يمكننا البدء من نقطة في المكان والزمان لكننا لا ننتهي منها إلا لهذا الاحتشاد العميق والكبير في السيرة أو في السير المتوالية والمتراكمة خلف بعضها كما وردة تتفتح وريقاتها بين أيدينا”.
وتوضح الكاتبة الإماراتية “لم أكن أكتب سيرة من لحم ودم، لكنني كتبت سيرة بداخلها اللحم والدم والمواقف والأحداث والتغيرات سيرة مدينة (ليست أيّ مدينة لكنها القاهرة ويكفي اسمها القاهرة). ومن خلال مقهى تتداخل فيه سيرته الخاصة من بنيان، ومالكين، ووثائق، وأحداث، وسير الحاضرين، والمارين عليه، وسير بشر مروا وأقاموا واختلطوا وتفاعلوا. ومع فتح عدسة الرؤية أوسع وأبعد من ذلك تتشكل سيرة المباني والشوارع والأمكنة بمن فيها وما فيها من حكايات”.