يحجب دخان المعارك المحتدمة في أوكرانيا مشهدا أكثر تعقيدا وسط انتشار ربما غير مسبوق لبؤر صراعات قائمة ومحتملة على خارطة العالم.
وبينما يحتشد قادة العالم يوم غد الثلاثاء لبدء المناقشة العامة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولمدة 4 أيام، يخشى مراقبون من أن تستحوذ الأزمة الأوكرانية على اهتمام الحضور فتغيب واقعا جيوسياسيا قائما على أرض هشة في انتظار تداعيه.
ويتجنب قادة الدول على ما يبدو طرح التساؤلات حول فعالية المنظمة التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فيما يتشكل عالم جديد.
وعلى موقع المؤسسة الأممية على الإنترنت تجد شعارا “السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة”، وهو أمر يبدو بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
واقع عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل أيام قليلة من الاجتماع، قائلا إن “عالمنا تدمره الحرب، وتضربه فوضى المناخ وتقضه الكراهية ويغمره العار جراء الفقر وانعدام المساواة”.
لكن الانقسامات الجيوستراتيجية التي “لم تكن أبدا بهذا الحجم منذ الحرب الباردة على الأقل، تشل الاستجابة العالمية لهذه التحديات الهائلة”، داعيا قادة العالم إلى “العمل معًا” لإيجاد حلول.
ورغم الأزمات القائمة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا يتوقع الخبراء أن تستحوذ كلمة الرئيس الأوكراني فلايمير زيلينسكي على الاهتمام الأكبر.
وقال ريتشارد جوان، المحلل لدى المجموعة الدولية للأزمات، إن خطاب زيلينسكي “سيجذب انتباها أكثر بألف مرة من معظم خطابات القادة الآخرين الحاضرين”.
ويستثنى زيلينسكي من تقليد أممي يفرض على أي زعيم يرغب في مخاطبة الجمعية العامة أن يكون حاضرا، وهو أمر جرى تجاهلة في زمن وباء كورونا لأسباب معقولة.
وبقدر ما تعكس الحالة الأوكرانية الانقسام الدولي ونهاية عالم تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن الحضور الطاغي لها ربما لا يصور على وجه الدقة حجم الأزمات العالمية على كوكب يتنفس بصعوبة وتلاحقه الحروب الصغيرة وفوضى الإرهاب وشبح المجاعة، ومخاطر الأسلحة النووية.
حافة الكارثة النووية
وتنعقد الجميعة العامة للأمم المتحدة هذا العالم فيما خطر المواجهة النووية يلوح في الأفق.
زابوريجيا وأخواتها
وبينما يشتعل الصراع حول المحطات النووية في أوكرانيا سعت الأمم المتحدة عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الدعوة لإقامة منطقة منزوعة السلاح حول محطة زابوريجيا النووية العملاقة.
وقالت الوكالة في تقريرها الأخير: “في حين أن القصف المستمر لم يتسبب بعد في حدوث حالة طوارئ نووية، إلا أنه لا يزال يمثل تهديدا مستمرا للسلامة والأمن النوويين، بسبب تأثير محتمل على إجراءات الأمان الحيوية التي قد تؤدي إلى عواقب إشعاعية ذات خطورة كبيرة”.
وقد لاحظ خبراء الوكالة حدوث أضرار جسيمة في محطة الطاقة النووية، وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك أي تسرب إشعاعي، إلا أن الوكالة قالت إن وحدة معالجة الأكسجين-والنيتروجين، وخط طاقة عالي التوتر قد تضررا في المحطة الواقعة في جنوب أوكرانيا، والتي تعد الأكبر في أوروبا.
وأمام هذا الخطر لا تجد الأمم المتحدة القدرة اللازمة على فرض إجراءات احترازية للحيلولة دون كارثة نووية.
دولة نووية جديدة
وقبل 10 أيام أعلن زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون عن قانون جديد، في ظله أصبحت بلاده دولة نووية، في قرار يقول إنه لا رجعة فيه.
وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية أن كوريا الشمالية تعتبر امتلاك الأسلحة النووية أمرا قانونيا وحقا أساسيا لا غنى عنه، وبالتالي تعلن نفسها عبر القانون الجديد الذي أقرته؛ دولة تملك أسلحة نووية.
ويحدد القانون متى يمكن استخدام الأسلحة النووية، بما يشمل حماية الأصول الاستراتيجية للبلاد أو إذا تعرضت للهجوم.
وأمام هذا الإعلان توعدت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بيونج يانج بـ”رد ساحق وحازم”.. حال شن أي هجوم نووي.
واتفق الجانبان، خلال حوار رفيع المستوى بشأن الردع في واشنطن، قبل يومين فقط حال من “استخدام كل الوسائل المتاحة” للتعامل مع تهديداتها العسكرية المتطورة في حال مضت كوريا الشمالية قدما في إجراء نووي آخر.
دولة على الطريق
وتنعقد الجمعية العامة بعد أن بات في حكم المؤكد انهيار مباحثات بين إيران والدول الكبرى لإحياء اتفاق مشترك لإبقاء برنامج طهران الدولي تحت الرقابة الدولية، فيما تقترب إيران أكثر من أي وقت مضى من القدرة على إنتاج السلاح النووي.
تحول جاء بعد أسابيع من سيادة التفاؤل بشأن التوصل لاتفاق لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، هو في ذاته كان محل شكوك عميقة بشأن قدرته العملية على لجم الطموح الإيراني.
ورأت كيم غطاس، الكاتبة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط بمقال في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إنه ربما لا تزال إيران تعتقد أن الأفضل هو تأخير التوافق على الاتفاق النووي، أملا في تحقيق مكاسب أكبر وتقليل هامش التنازلات، لكن العد التنازلي لصبر العالم ينفد، ما يرفع منسوب الخطر من تحرك إقليمي لوأد الطموح الإيراني ما يضع الشرق الأوسط على حافة أزمة غير مسبوقة.
طبول الحرب
وقبل أيام قليلة من انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة تفجر الوضع على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان.
وقتل خلال المواجهات الدامية بين الجانبين 94 شخصا على الأقل كما أعلن الطرفان أمس الأحد، في أسوأ موجة عنف منذ سنوات بين البلدين اللذين أعلنا هدنة هشة.
ويبدو الوضع على حدود هاتين الجمهوريتين السوفياتيين السابقتين في آسيا الوسطى والمتنازع عليها هادئا، لكن أسباب الصراع لا تزال تنذر بخطر التفجر مجددا
وحصيلة المواجهات تتجاوز حاليا إلى حد كبير حصيلة معارك حدودية سابقة واسعة النطاق جرت أبريل/نيسان 2021 وأدت إلى مقتل نحو خمسين شخصا مثيرة مخاوف من نزاع أوسع نطاقا.
وأول من أمس السبت، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قادة الطرفين إلى “تشجيع حوار من أجل وقف دائم لإطلاق النار”، بحسب ما قال ناطق باسمه، من دون تحرك آخر فيما ترك معالجة الأزمة بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال محادثات هاتفية، حضّ خلالها البلدين على تجنّب “أي تصعيد جديد” في اتصال مع كل من رئيس قرغيزستان صدير جباروف ورئيس طاجيكستان إمام علي رحمن.
المشهد نفسه تكرر بين أذربيجان وأرمينيا، حيث اندلعت الثلاثاء الماضي أعنف اشتباكات بين البلدين منذ حرب عام 2020 وأسفرت عن مقتل 215 شخصًا قبل أن تنتهي ليل الخميس بوساطة دولية. ويتبادل الطرفان التهم ببدء القتال.
وأكد رئيس البرلمان الأرمني آلين سيمونيان خلال المؤتمر الصحفي مع رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، أن أعمال العنف انتهت بفضل وساطة أمريكية، بعد فشل محاولة التوصل إلى هدنة بوساطة روسية.
وفي تايوان كانت بيلوسي هذه المرة نذير أزمة عالمية، حيث فجرت زيارتها إلى الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي مخاوف من مواجهة عسكرية أمريكية صينية.
ورغم انقضاء الأزمة بسلام إلا أن الجيش الصيني بات أكث حرية على خلفية الزيارة في العمل حول الجزيرة الاستراتيجية، ما يجعل خطر الانزلاق إلى الحرب احتمالا قائما.
هذا من دون أن ينسى قادة الدول في زيارتهم لمقر الأمم المتحدة الأزمات المزمنة في شمال سوريا والعراق، حيث تخوض تركيا عملية عسكرية ضد الأكراد، واليمن، وليبيا.
وأمام هذه التحديات قال الرئيس تشابا كوروشي في الجلسة الأولى العامة للدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن “الحلول من خلال التضامن والاستدامة والعلوم” هي شعار رئاسته.
وأكد في كلمته أن مهمة المجتمع الدولي تتمثل في العمل معا عند وجود خلافات، وبناء الجسور عندما تكون هناك انقسامات عميقة، قائلا إن قاعة الجمعية العامة هي مكان لبناء الثقة، لتحقيق السلام والأمن والتنمية وحقوق الإنسان.
وأوضح أنه “بينما نبدأ الدورة الـ77، فإننا نفعل ذلك في عالم تتسع فيه الانقسامات الجيوسياسية وعدم اليقين الذي طال أمده”، بعد أن استهل الجلسة بدعوة الدول الأعضاء إلى الوقوف دقيقة صمت للصلاة أو التأمل، علها تكفي.