بيليه البرازيلي لاعب كرة القدم الأشهر على مدار العصور، ,صاحب الرقم القياسي.. تعرفوا على مسيرة الأسطورة الكروية.
بذكاء يمرر ويتوقع تحركات المدافعين، يراوغ ثم يفلت من بينهم بسلاسة كأنه طيف، وفي لمح البصر يسدد، لتنهال صيحات الانبهار والإشادة تنادي باسم بيليه البرازيلي كنز بلاده الاستراتيجي. فما زال اللاعب البرازيلي نجمة كبرى يتطلع إليها عشاق كرة القدم، باعتباره صاحب الرقم القياسي بمسيرة لم تشهد الاحتراف الأوروبي
يبدو اسم بيليه لامعا في تاريخ كرة القدم، كأنه صانعها ومبتكرها، إذا سألت طفلا في أي مكان بالعالم عن “بيليه”، تجده يردد سيرته ومهاراته ويتمنى أن يمتلك مسّا من موهبته، رغم مرور 45 عاما على اعتزاله. نستعرض مسيرة الجوهرة السوداء، الذي وفى وعده لوالده بكأس العالم، وجعل اسمه يملأ أصداء الكون.
هل ما زال بيليه حيا؟
بسبب كبر عمره، كونه تجاوز الثمانين، ومعاناته مع مشكلات صحية متكررة، يتردد الحديث كثيرا عن إذا ما زال حيا أم لا؟ تعرّض بيليه لوعكة صحية شديدة، أدت إلى خضوعه لعملية جراحية في أغسطس 2021 لاستئصال ورم بالقولون، كما احتاج إلى مزيد من الرعاية كونه يعيش بكلية واحدة بعد ان فقد الأخرى نتيجة إصابته بكسر في أضلاعه بإحدى المباريات عام 1977.
وكان آخر تعليق له بعد حصول اللاعب بنزيما على جائزة أفضل لاعب في العالم 2022، حين كتب على صفحته الرسمية على إنستجرام مهنئا الفائزين “أنتم مثال ملهم للأجيال القادمة التي تحب كرة القدم”، ليبقى بيليه البرازيلي أسطورة حية خالدة مهما مرّت السنوات وتلاحقت الأجيال.
بيليه.. طفل عامل
أول ما يتذكره بيليه عن طفولته هو كأس العالم 1950، حين رأى دموع والده وحزن أهل مدينته تريس كاراكوس، في النهائي الذي فازت فيه أوروجواي على البرازيل 2-1، فلم يملك سوى أن يواسي والده “لا تبكي يا أبي، سأجلب كأس العالم للبرازيل من أجلك”، قالها بتلقائية الأطفال، لكنه لم يتخيل يوما أن بإمكانه فعل ذلك، ليجد نفسها يحمل كأس العالم ليس لمرة واحدة بل ثلاث.
تيمنا باسم توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي، ولد بيليه البرايزيلي باسم إدسون آرانتيس دو ناسيمنتو في 23 أكتوبر عام 1940، بينما تلقبه العايلة بـ “ديكو”، كانت أسرته فقيرة يعمل جميع أفرادها، بداية من جده وجدته اللذان امتلكا الأحصنة التي تجر العربات وعملا في توصيل الأحطاب، ووالده الذي كان لاعب كرة قدم.
لعب دوندينهو، والد بيليه، في نوادي محلية، وكان الطفل الصغير يراه المثل الاعلى وأفضل لاعب في العالم، ولكن إصابة الأب تسببت في اعتزاله وتبدّل الحال، كما رفض ناديه أن يدفع أجره، فقرر بيليه- كونه أكبر شقيقه الاثنين- بدافع المسئولية تجاه عائلته العمل في مسح الأحذية وتلميعها.
بيليه وكرة القدم
كان يُنهي مدرسته، ثم يعمل ماسح للأحذية أمام الاستادات في أيام المباريات، أو نادلا في المطاعم، بخلاف ذلك يكرّس وقته للعب كرة القدم، فكان إما يلعب حافيا دون حذاء ويصنع كرة قدم من الجوارب المحشوة بأوراق الجرائد أو يلعب بالجريب فروت والمانجو، وأسس مع أصدقائه فريقا لكرة القدم، واشتركوا في المسابقات ومباريات الصالات، واستطاع أن يفوز مع فريقه بأكثر من بطولة محلية داخل مدينته.
لقب “بيليه”
يقال إن بيليه باللغة الإيرلندية يعني “كرة القدم”، ولكن عندما سمعها من أصدقائه، يتنمرون عليه بسبب نطقه الخاطئ لاسم أحد اللاعبين الذي كان يسمى بيلي، ثار غضبه وكره اللقب وأراد أن يتخلص منه، وطُرد من المدرسة بعد أن لكن رغما عن إرادته صار الجميع يتداولونه، وصار مشهورا به في مباريات الصالات ومسابقات الشوارع.
نادي سانتوس
تعرّف بيليه وفريقه إلى فالديمير دي بريتو، الذي كان يكتشف المواهب ويضمها لنادي الناشئين في باورو، وبالفعل ضم بيليه عام 1954، واستطاع مع الفريق الفوز بكأس الناشئين وتسجيل أكثر من 100 هدف في 33 مباراة، وكان هذا النجاح خطوته نحو نادي سانتوس بمساعدة دي بريتو.
في يونيو 1956، انتقل بيليه إلى نادي سانتوس وهو بعمر الخامسة عشر عاما، حينها أبدى المدرب والعاملون انبهارهم بموهبته المتفردة، غير أنه كان رغم صغر عمره يمتلك شخصية قوية، يقف وسط الملعب ويعتبره ساحته الخاصة، ويبدو وكأنه لا يخشى شيئا، حينها أخبرهم دي بريتو “أنتم أمام أفضل لاعب في العالم”.
جاء هدف بيليه الأول في مسيرته الكروية يوم 7 سبتمبر 1956، حين لعب نادي سانتوس ضد كورينثيانز سانتو أندريه وفاز 7-1، ثم صار هداف الدوري في الموسم التالي، وعلى الفور ينضم لمنتخب البرازيل لكرة القدم بعد أشهر قليلة من انتقاله إلى نادي سانتوس، ويصبح أصغر لاعب يحقق إنجازا مع منتخب بلاده.
لعب بيليه البرازيلي مع نادي سانتوس أغلب مسيرته الكروية من عام 1956 حتى عام 1974، وحصد أول إنجاز مع الفريق عام 1958 عمد الفوز ببطولة باوليستا وحصوله على لقب هداف البطولة بـ 58 هدفا، ما زال رقم قياسي لم يتخطه أحد، كما حقق له الفوز بكأس ليبرتادوريس على مستوى فرق أمريكا الجنوبية عام 1962، وكاس الإنتركونتيننتال في نفس العام.
وشمل مجمل أهدافه لنادي سانتوس 643 هدفا في 656 مباراة محلية ودولية وودية.
نادي نيويورك كوزموس
لم يكن مقبولا أن ينتقل بيليه إلى أي نادي آخر خارج البرازيل، فمع ذيوع صيته وشهرته، بدأت الأندية الأوروبية (ريال مدريد، مانشيستر يونايتد، يوفنتوس..) تطمح لضمه إليها، ومع ذيوع تعاقد نادي إنتر ميلان معه عام 1958، ثار غضب مشجعي سانتوس وجماهير البرازيل، فتم التراجع عن العقد. وفي عام 1961، أعلنت الحكومة البرازيلية أن بيليه “كنز وطني رسمي” لتغلق الباب أمام محاولات انتقاله لأي نادي خارج البلاد.
في عام 1974، قرر بيليه أن يتوقف عن اللعب، مع الاستمرار في المشاركة بمباريات رسمية مع نادي سانتوس من حين إلى آخر، حتى أقنعته إدارة نادي نيويورك كوزموس بالانضمام له، فكان بالنسبة للنادي والولايات المتحدة الأمريكية الفرصة الأعظم لتحسين وضع كرة القدم.
كان نجما يريدون لمسه أو الاقتراب منه والتصوير معه، لم يصدق الجمهور الأمريكي أو اللاعبين أن بيليه البرازيلي بينهم، لعب أول مباراة مع الفريق في 15 يونيو 1975، وعلى مدار 3 مواسم من 1975 حتى 1977، حقق 64 هدفا في 107 مباراة، واستطاع أن يجتذ للنادي لاعبين من أوروبا، ياتون فقط متمنين أن يجاوروا بيليه في الملعب.
وعرفت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصنع من بيليه علامة تجارية، تُشركه في حملات الدعاية للسلوك الرياضي، وإعلانات الألعاب والأجهزة الحديثة، كما كان بيليه دافعا لكثيرين للالتحاق بكرة القدم، التي اكتسبت شعبية كبيرة حينها، وارتفع عدد الجماهير من 5 آلاف إلى 50 ألف شخص يريدون رؤية بيليه نجم الإعلام ومتصدر أغلفة المجلات.
كم مرة حصل بيليه على كأس العالم؟
شارك بيليه 4 مرات في كأس العالم، الأولى عام 1958 حين كان عمره 16 عامان وكان أصغر مشارك في البطولة، ولعب مباراته الأولى أمام منتخب الاتحاد السوفيتي، وفي الدور نصف النهائي سجل ثلاثية أمام منتخب فرنسا، ثم أحرز هدفين في المباراة النهائية مع السويد، لتفوز البرازيل بكأس العالم حينها.
أما المرة الثانية لمشاركة بيليه في كأس العالم، فكانت عام 1962 وحصلت البرازيل على الكأس حينها، وتمنى أن تكون مشاركته في كأس العالم 1966 هي الأخيرة، فمنتخب البرازيل خرج من الدور الأول في البطولة، ثم جاءت مشاركته الأخيرة في كأس العالم 1970، الذي فازت به البرازيل بتسجيل 4 أهداف (من بينها هدف لبيليه) في المباراة النهائية أمام إيطاليا، ونال أفضل لاعب في البطولة.
وكانت مباراة المنتخب البرازيلي أمام منتخب يوغسلافيا في 18 يوليو 1971 بريو دي جانيرو، هي آخر مباراة دولية يشارك بها بيليه.
بيليه صاحب الرقم القياسي
وفقا لموسوعة جينيس للأرقام القياسية، يعتبر بيليه البرازيلي أكثر لاعب سجل أهدافا رسمية بلغت 1281 هدفا في 1363 مباراة، ولم يتفوق أحد على هذا الرقم إلى الآن.
متى اعتزل بيليه كرة القدم؟
عام 1977 وأمام 37 ألف متفرج داخل الاستاد في ملعب سيفيك في بورتلاند، أنهى بيليه مشواره الكروي وهو بعمر 37 عاما، في المباراة الأخيرة التي لعبها مع نيويورك كوزموس ضد سياتل ساندرز في نهائي بطولة المؤتمر الأطلي لكرة القدم الأمريكية، ويفوز كوزموس بالبطولة، وتودع الجامهير بيليه البرازيلي.
آخر قميص لبيليه
في هذه المباراة، ومع صفارة النهاية، خلع بيليه آخر قميص ارتداه برقم 10 في منتصف الملعب، ليلتقطه على الفور جيمي ماكستلر لاعب سياتل ساندرز، الذي احتفظ بالقميص دون أن يغسله، وأودعه في صندوق ودائع ببنك سياتل في الولايات المتحدة الأمريكية “من الصعب أن أبيع قطعة من التاريخ، قيمته للرياضة أعلى من أموال بيعه”.
حفل اعتزال بيليه
لم يكن اعتزال بيليه ليمر دون حفلا يشهد على إنجازته وتفرده، استطاع أن يكون الأفضل على مرّ العصور بمسيرة قضى معظمها في نادي واحد فقط، وفي يوم الأول من أكتوبر عام 1977 بملعب جيانتس في نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، حضر ما يقرب 76 ألف متفرج.
في كلمته الوداعية، تمنى بيليه أن يحظى الأطفال بمزيد من الاهتمام والرعاية، وأنهاها بثلاث كلمات “الحب الحب الحب” لم يتمالك نفسه بعدها وبكى. وأقيم في المعلب مباراة ودية جمعت بين فريق سانتوس البرازيلي وكوزموس الأمريكي، لعب بيليه في كل شوط من المباراة مع فريق.. وانتهت الرحلة.
إنجازات وجوائز بيليه
حصد بيليه على مدار مسيرته على ألقابا وإنجازات، فهو الجوهرة السوداء والملك وثروة البرازيل القومية، غير أنه:
- حصل على لقب أفضل لاعب في القرن عام 1999 من مجلة فرانس فوتبول.
- منحته اللجنة الأولمبية لقب رياضي القرن عام 1999.
- ضمته مجلة التايم الأمريكية لقائمة الأشخاص الأكثر أهمية في القرن الـ 20.
- جائزة الاتحاد الدولي لكرة القدم المئوية عام 2004.
- حصل على جائزة أفضل لاعب برازيلي في القرن من الاتحاد الدولي لتاريخ وإحصائيات كرة القدم عام 2006
- منحه الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 2013 كرة الفيفا الشرفية.
- سفير النوايا الحسنة لليونسكو عام 1993.
- شغل منصب وزير الرياضة في الحكومة البرازيلية من 1995 إلى 1998.
- وفي عام 2018، أطلق مؤسسة بيليه الخيريه، لرعاية الأطفال وتمكينهم وحمايتهم من الفقر.
والأهم من إنجازاته، هو انتصاره لما يمتع جمهور كرة القدم، “الترقيصة” و”الكوبري” و”التشميسة” والمرور بخفة وسحر بين اللاعبين، ولصفير الجمهور وآهاته بعد “اللعبة الحلوة”.