كان الرئيس الأمريكي جو بايدن نائما بالجانب الآخر من العالم عندما أيقظه مساعدون له في منتصف الليل هناك أنباء عاجلة: صاروخ ضرب بولندا وقتل شخصين.
بحلول الساعة الخامسة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي في بالي، حيث كان بايدن يحضر قمة مجموعة العشرين، كان لايزال يرتدي اللبس غير الرسمي، ويتحدث عبر الهاتف مع نظيره البولندي أندجي دودا للحصول على توضيح بشأن المصدر الحقيقي للصاروخ، وهي حقيقة بالغة الأهمية بسبب التداعيات المحتملة إذا كان هناك هجوما روسيا على أحد حلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بحسب شبكة “سي إن إن” الأمريكية.
أما بالنسبة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي كان بصحبة بايدن، أيقظه حارسه حوالي الساعة الرابعة صباحا على أنباء الانفجار، والأمر كذلك مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
وبدأ المسؤولون البولنديون يسمعون أولًا بشأن انفجار محتمل بقرية برشفوداو الحدودية الشرقية حوالي الساعة العاشرة صباحا بالتوقيت الشرقي يوم الثلاثاء، أو الساعة الحادية عشر مساء بتوقيت بالي، بحسب مصادر، وبدأ خروج المعلومات للملأ وأبلغ بها الحلفاء قرابة الواحدة مساء بالتوقيت الشرقي، أو الساعة الثانية صباحا في بالي.
ومع بزوغ الصباح وظهور مزيد من المعلومات، أصبح واضحا للمسؤولين الأمريكيين الذين يتحققون من أنظمة الاستخبارات القائمة على الأقمار الصناعية ويتحدثون مع نظرائهم البولنديين أن الصاروخ، الذي سقط بمزرعة بولندية في أقصى شرق البلاد بدا أن أوكرانيا أطلقته كجزء من منظومتها الدفاعية الجوية.
وبعد عدة ساعات سيطرت عليها حالة القلق، كان بايدن أول من خفف بعض التوتر، قائلًا للمراسلين إن المعلومات الأولى ترجح أن الصاروخ لم تطلقه روسيا.
وكان الشعور بين المسؤولين الأمريكيين ملموسا. وعلى عكس أسوأ مخاوفهم رجحت المعلومات الاستخباراتية الأولية أن روسيا لم تهاجم بولندا عمدا، بحسب مسؤول.
لكن بالنسبة لبايدن ومستشاريه، كان الحادث لازال يمثل موقفا كانوا يخشونه منذ فترة طويلة: ضربة غير متعمدة بأراضي الناتو، والتي ظلت تأثيراتها وعواقبها غامضة.
ومع تقلب الوضع، حث مستشارو بايدن على التزام الهدم والصبر، بما في ذلك للمسؤولين الأوكرانيين.
وبعد حوالي الساعة من ظهور أخبار الحادث، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال خطاب مسائي أن “الصواريخ الروسية ضربت بولندا”، واصفا الأمر بـ”تصعيد كبير للغاية” تطلب ردا.
وسرعان ما هاتف سوليفان مكتب زيلينسكي بعد تلك الكلمة، وحث المسؤولين على التعامل بحذر مع كيفية حديثهم عن الحادث، بحسب ما قالته مصادر مطلعة على المكالمة.
ولم يتحدث بايدن وزيلينسكي مساء الثلاثاء بالرغم من طلبات الزعيم الأوكراني لترتيب مكالمة، بحسب مصدر مطلع.
وسرعان ما اتفقت الولايات المتحدة وبولندا على العمل معا عن كثب في تحقيق بشأن الضربة، والتقى مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وليام بيرنز مع دودا في وارسو، مساء الأربعاء، بحسب مسؤول أمريكي. وقبل ذلك بساعات، احتمى بيرنز بالسفارة الأمريكية في كييف حيث كانت الصواريخ الروسية تضرب المدينة.
لكن تسبب الحادث أيضا في حدوث بعض الشروخ في التحالف الغربي مع أوكرانيا.
والآن قال بايدن ودودا علانية إن الصاروخ على ما يبدو مصدره النظام الدفاع الجوي الأوكراني – وهو ادعاء واصل زيلينسكي إنكاره بشدة، مما أغضب المسؤولين البولنديين، بحسب مصادر.
وبالرغم من أن بايدن تحدث مع دودا والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في أعقاب الهجوم، وعقدوا محدثات طارئة مع قادة العالم بقمة مجموعة العشرين، كان الرئيس الأمريكي لازال لم يتحدث مع زيلينسكي بحلول ظهيرة الأربعاء، بحسب ما قالته مصادر مطلعة لـ”سي إن إن”.
وبدلًا من ذلك، تحدث سوليفان مع كبير موظفي زيلينسكي خلال الساعات التي تلت الانفجار، بحسب المصادر، وتحدث بلينكن مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا.
وطلبت أوكرانيا أيضًا الانضمام إلى فريق التحقيق، الذي يتألف من مسؤولين أمريكيين وبولنديي، لتفقد موقع الضربة الصاروخية، بحسب ما قاله زيلينسكي، الأربعاء.
وفي واشنطن، يوم الثلاثاء، كان وزير الدفاع لويد أوستن يشارك في اجتماع مع نائبته كاثلين هيكس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، عندما قاطعهم أحد المساعدين بخبر الانفجار، وهاتف المسؤولون الثلاثة نظرائهم البولنديين بعدها بفترة وجيزة.
وبعد وقت قصير، قرابة الثانية مساء، كان متبق بضع دقائق على مؤتمر صحفي مع المتحدث باسم البنتاجون بات رايدر. لكن بعض المسؤولين في البنتاجون كانوا قد سمعوا لتوهم عن مسألة الصاروخ من الإعلام، ولم يكن لدى البنتاجون شيئا يؤكد أن صاروخ روسي ضرب أحد أراضي الناتو.
وتعين على المسؤولين في البنتاجون اتخاذ القرار فيما إذا كانوا سيمضون قدما في المؤتمر، وهم على علم بأن ليس لديهم معلومات لتقديمها بشأن ما أصبح فورا أهم حدث في اليوم.
وفي النهاية، بحسب ما قاله مسؤول لـ”سي إن إن”، تم المضي قدما في الأمر، على اعتبار أن إلغاء المؤتمر الصحفي باللحظة الأخيرة من شأنه أن يشير إلى الحالة الدقيقة للذعر التي يتوقون لتفاديها.
ووقف رايدر على المنصة، وتلقى أسئلة متكررة بشأن الصاروخ لكن لم يكن لديه ما يجيب عنها.
أما ميلي، فوجه موظفيه بترتيب مكالمات هاتفية، أولًا مع نظيره البولندي، تبعها بسرعة أخرى مع نظيره الأوكراني. كما عمل موظفي ميلي على الوصول إلى نظيره الروسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الروسي فاليري جيراسيموف.
وتحدث الاثنان معا آخر مرة نهاية أكتوبر/تشرين الأول، واحدة من مرات قليلة عقدوا في نقاشات منذ بدء الحرب الروسية. لكن هذه المرة، لم تكن هناك مكالمات، ولم يتحدث الاثنان مطلقا مساء الثلاثاء.
وتلك الأمسية، أبلغ ميلي وأوستن بايدن بما علموه بشأن الحادث.
وبحلول يوم الأربعاء، كانت العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين يتحدثون علانية عن أن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن الانفجار نجم عن صاروخ للدفاع الجوي الأوكراني والذي سقط في بولندا بالخطأ.
وشاركت الولايات المتحدة أيضًا معلومات سرية مع الحلفاء قبل اجتماع مجلس شمال الأطلسي صباح الأربعاء، بمقر الناتو، بحسب ما قاله مسؤول.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون: “لم نر شيئا يتعارض مع التقييم الأولي للرئيس دودا بأن هذا الانفجار في غالب الظن نتيجة صاروخ للدفاع الجوي الأوكراني سقط للأسف في بولندا.”
وأفاد التقييم الأولى بأن صاروخ الدفاع الجوي الأوكراني حاولت اعتراض صاروخ روسي لكنه أخطأ وسقط في بولندا، بحسب عدة مسؤولين أمريكيين وبالناتو.