dhl
dhl

ديفيد فرينش يكتب: وباء الوحدة.. ورأس المال الاجتماعي

من أهم الأشياء التي يمكن القيام بها لعلاج الانقسامات الوطنية وتحسين الحراك الاجتماعي والاقتصادي للمحيطين بك هو تكوين صداقات جديدة. قصة أميركا الحديثة – وخاصة بالنسبة للأميركيين من الطبقة العاملة الذين لم يذهبوا إلى الكلية – هي قصة انحدار الروابط وتراجع الصداقات وفقدان الشعور بالانتماء. هذا الشعور بالعزلة يجعل الناس بائسين، ومع انتشار البؤس، فإنه يؤثر على اقتصادنا وثقافتنا. والحقيقة أن البيانات مروعة.في الشهر الماضي، أصدر معهد «أميركان إنتربرايز» مسحاً لرأس المال الاجتماعي الأميركي لعام 2024. وقد كشف المسح أن هناك انقساماً اجتماعياً صارخاً. فالأشخاص الذين يحملون شهادات الثانوية العامة (خريجي المدارس الثانوية) أو أقل يقضون وقتاً أقل في الأماكن العامة، ووقتاً أقل في مجموعات الهوايات، ووقتاً أقل في مجموعات المجتمع أو في الدوريات الرياضية مقارنة بأولئك الذين يحملون شهادات جامعية أو أعلى (خريجي الكليات). وهم أقل ميلاً إلى استضافة الأصدقاء والعائلة والجيران في منازلهم.دعونا نتأمل عواقب هذا التمييز: يعيش عشرات الملايين من الأميركيين من الطبقة العاملة واقعاً اجتماعياً مختلفاً عن واقع أقرانهم الأكثر تعليماً. والافتقار إلى المساحات المشتركة والتجارب المشتركة يعني أن العزلة يمكن أن تصبح مستديمة.وأرقام الصداقة صادمة أيضاً. فالأميركيون من جميع الأطياف يبلغون عن تناقص أعداد أصدقائهم، ولكن الانحدار أكثر وضوحاً بين خريجي المدارس الثانوية. ففي الفترة ما بين عامي 1990 و2024، ارتفعت نسبة خريجي الكليات الذين أفادوا بعدم وجود أصدقاء مقربين لديهم من 2 إلى 10%، وهو أمر محزن للغاية. وبين خريجي المدارس الثانوية، ارتفعت النسبة من 3 إلى 24%، وهو رقم مؤلم.والأخبار تزداد سوءاً. ففي عام 1990، أفاد 49% من خريجي المدارس الثانوية بأن لديهم ستة أصدقاء مقربين على الأقل. وبحلول عام 2024، انخفضت هذه النسبة بأكثر من النصف إلى 17%. كما انخفضت نسبة خريجي الكليات الذين لديهم هذا العدد من الأصدقاء، ولكن فقط إلى 33% مقابل 45%.واختفاء الصداقة له عواقب وخيمة. وفقاً لتقرير معهد أميركان إنتربرايز، هناك انقسام طبقي في نسبة الأميركيين الذين يمكنهم الاعتماد على شخص ما ليوصلهم إلى الطبيب، أو يقرضهم مبلغاً صغيراً من المال في حالة الطوارئ، أو يقدم لهم مكاناً للإقامة. وبعبارة أخرى، فإن الأميركيين الأكثر عرضة لفقدان شبكة الأمان الاجتماعي غير الرسمية التي تتألف من الأصدقاء والأقارب ربما يكونون هم الأشخاص الأكثر احتياجاً إليها.لا ينبغي لنا أن نتفاجأ إذن أن الأميركيين من ذوي الدخول المنخفضة يبلغون عن شعور أقل كثيراً بالانتماء مقارنة بمن هم أكثر ثراءً. فقد أنشأ مركز الإدماج والانتماء في مجلس الهجرة الأميركي، وهي مجموعة مناصرة للهجرة، ومنظمة «أوفر زيرو»، وهي منظمة تدرس وتسعى إلى منع العنف القائم على الهوية، مقياساً شاملاً للانتماء يقيس مدى شعور الأميركيين بالانتماء إلى أسرهم، وبين أصدقائهم، وفي أماكن عملهم، ومجتمعاتهم، والأمة ككل. وفي كل فئة، أبلغ أولئك الذين لديهم موارد أقل عن شعور أقل بالانتماء.ينبغي علينا أن نهتم بهذه الأرقام اهتماماً عميقاً بصرف النظر عن أي تأثير اجتماعي أو ثقافي أوسع قد تخلفه. إن فكرة أن الملايين من مواطنينا يشعرون وكأنهم لا ينتمون إلى هذا المكان، وكأنهم لا يستطيعون طلب المساعدة من أحد أو ببساطة يفتقرون إلى الفرحة الخالصة التي تنبع من زمالة الأصدقاء المقربين لابد وأن تحزننا جميعاً. ولابد وأن تغير هذه الفكرة من سلوكنا. ولابد وأن تجعلنا أكثر حرصاً على التواصل مع الناس. ولابد وأن تدعونا إلى العمل في أحيائنا ومجتمعاتنا.ولكن تراجع عدد الأصدقاء ليس مجرد مسألة ألم فردي، بل إنه أيضاً مسألة تهم الأمة. في ورقة بحثية مثيرة للاهتمام صدرت مؤخراً، يزعم «جاي فرانكل»، من جامعة نيويورك، أن «الهجر العاطفي، سواء في حياة الأفراد أو على نطاق واسع، يُنظر إليه عادةً على أنه مهين، ويقوض الشعور بأن الحياة ذات معنى وقيمة».بالنسبة للعديد من الناس، تؤدي العزلة إلى استجابة أكثر عدوانية – بما في ذلك الانجذاب نحو الاستبداد.لا يؤثر الشعور بالوحدة على السياسة فحسب، بل يؤثر أيضاً على الحراك الاجتماعي. وجد تقرير صادر عن معهد «أبورتيونيتي انسايتس» في عام 2022، والذي حلل بيانات من 70.3 مليون مستخدم لفيسبوك، أن «الارتباطات بين الطبقات على مستوى المجتمع تعزز الحراك الاجتماعي أكثر من أي شيء آخر».منذ بدأت الكتابة عن القلق الأميركي والاستقطاب والخوف، تلقيت قدراً هائلاً من المراسلات من أشخاص قلقون بشأن حالة الأمة، وقلقون بشأن أشخاص يعرفونهم شخصياً – صديق قديم بدأ يتصرف بطريقة غريبة نتيجة الضغط أو الغضب أو أحد أفراد الأسرة الذي يبدو ضائعاً في نظريات المؤامرة.يشعر الملايين من الأميركيين بالوحدة. إنهم يشعرون بالحزن والغضب والضيق. إنهم منبوذون من مجتمعاتهم وغاضبون من محنتهم، ولا يشعرون أن لديهم العديد من الخيارات لتحسين حياتهم. لكن الصداقة يمكن أن تساعد في حل كل من هذه المشاكل. مع الزمالة تأتي الفرحة. ومع التواصل تأتي الفرصة.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.