dhl
dhl

جون سبنسر يكتب: أمن الحدود.. حلول تحت الأرض

في العاشر من يناير الجاري، تم اكتشاف نفق تحت الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك في إل باسو. وقبل ذلك بأسبوعين، تم الكشف عن نفق بالقرب من أريزونا، وهو ثالث نفق من هذا النوع يكتشف في منطقة «يوما» خلال العام الماضي. هذه الاكتشافات الأخيرة تكرِّس درساً مهماً للولايات المتحدة من الصراعات حول العالم مفاده أنه بغض النظر عن مدى تقدم الدفاعات فوق الأرض، إلا أنها تدفع الخصوم في أحيان كثيرة إلى البحث عن طرق بديلة تحت الأرض.عبر العالم — في غزة ولبنان وسوريا وكوريا الشمالية ومناطق صراعات أخرى — تُعد الأنفاق بمثابة قنوات أساسية للعمليات العابرة للحدود. وأثناء تولّيه مهامه يوم الاثنين، كرر الرئيس دونالد ترامب تعهده باستئناف واستكمال بناء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك — وهو مشروع أوقفه الرئيس جو بايدن في 2021 — على طول الحدود الممتدة لمسافة 1954 ميلاً، ووقع أمراً تنفيذياً يسمح بنشر قوات في المنطقة. غير أن هذا الجهد المتجدد الرامي إلى التحصين بحواجز مادية إضافية وإجراءات أمنية مشددة من شبه المؤكد أن يؤدي إلى زيادة في محاولات حفر الأنفاق.وإسرائيل تمثّل نموذجاً للتعامل مع مثل هذه التهديدات تحت الأرض. فبعد أن عانت لسنوات من هجمات «حماس» العابرة للحدود من خلال الأنفاق، نفذت إسرائيل مشروعاً ضخماً يقضي ببناء جدار تحت الأرض على طول حدودها مع غزة، وذلك باستخدام تقنيات كشف وحلول هندسية متقدمة. وفوق الأرض، عملت على تعزيز الحدود بين إسرائيل وغزة على طول 40 ميلاً بحاجز يمتد لعدة أقدام تحت الأرض وأثبت فعاليته في تحييد عمليات «حماس» العابرة للحدود من خلال الأنفاق.وبالمثل، أنشأ «حزب الله» الأنفاق واستخدمها في لبنان وسوريا، ما أجبر إسرائيل على تكييف تدابيرها المضادة باستمرار. وتعمل الولايات المتحدة وإسرائيل منذ قرابة 10 سنوات في إطار شراكة في مجال الكشف عن الأنفاق وقدرات مكافحة الأنفاق، ولكن واشنطن ما زالت تحاول اللحاق والتدارك في تطبيق هذه الدروس على حدودها الجنوبية. وهذا يجب أن يتغير.غير أن اكتشاف نفق آخر في تكساس ليس حادثة معزولة على الإطلاق.فمنذ 1990، اكتشفت السلطات الأميركية أكثر من 230 نفقاً عابراً للحدود، معظمها يُستخدم لتهريب المخدرات والأسلحة والأشخاص بشكل رئيس على طول الحدود الأميركية المكسيكية. وفي يناير 2020، كشف المسؤولون الأميركيون عن أطول نفق مخدرات معروف في ذلك الوقت، وكان يمتد لمسافة 3 أرباع الميل من تيخوانا إلى سان دييغو. العديد من هذه الأنفاق متطورة بشكل لافت، إذ تضم أنظمة للسكك الحديدية والتهوية والإضاءة. والعصابات التي تقف وراءها تعمل على تكييف تقنياتها وتحسينها باستمرار، مستلهمةً أساليب حرب الأنفاق التي تستخدمها منظمات مثل «حماس» و«حزب الله».خلال فترة ولاية ترامب الأولى، تم بناء أكثر من 450 ميلاً من الجدار الحدودي على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، إذ تم استبدال السياج القديم أو غير الفعال بحواجز فولاذية بطول 30 قدماً. والواقع أن هذه التعزيزات قلّلت من عمليات العبور غير القانوني في المناطق المحورية بشكل كبير، ما أجبر المهرّبين على تغيير أساليبهم وتكييفها. غير أنه مع ازدياد صعوبة العبور عبر الطرق فوق الأرض، ازدادت عمليات التهريب تحت الأرض. ومع توسع الجدار الحدودي، ازداد عدد الأنفاق التي اكتشفتها هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، حيث تم اكتشاف 11 نفقاً في 2020 وحده، وهو أعلى رقم تم تسجيله في تلك الفترة. والأكيد أنه مع التشديد المتوقع في سياسات إنفاذ القانون في الحدود، فإن المهربين والمتاجرين بالبشر لن يوقفوا نشاطهم وإنما سيتأقلمون مع الوضع الجديد. والأنفاق توفّر لهم طريقاً مباشراً ومخفياً يتجاوز تكنولوجيا المراقبة والحواجز المادية. والحال أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تركز على الحلول فوق الأرض فقط؛ بل لا بد من استراتيجية شاملة لأمن الحدود تتصدى بقوة للتهديدات الموجودة تحت الأرض أيضاً. وفي هذا الإطار، يُعد تعزيز تكنولوجيا الكشف عن الأنفاق مسألة بالغة الأهمية، وهو ما يقتضي توسيع استخدام أجهزة استشعار النشاط الزلزالي، والرادارات المخترقة للأرض، ووسائل المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي لتحديد النشاط تحت الأرض قبل الانتهاء من أعمال الإنشاء. وبالإضافة إلى ذلك، قد يكون بناء حواجز تحت الأرض أحد التدابير المضادة الهائلة، رغم أن إنشاء مثل هذه البنية التحتية قد يكون مكلِّفاً جداً. وعلى سبيل المثال، فإن تكلفة مشروع الجدار الحدودي الإسرائيلي الذي شمل خصائص تحت الأرض ناهزت 1.1 مليار دولار واستغرق إنجازه أكثر من 3 سنوات.ولا يقل أهمية عن ذلك تعزيز التعاون الدولي، وخاصة مع المكسيك، وذلك من أجل ضمان تفكيك شبكات الأنفاق من المصدر قبل أن اكتمال تطويرها. وعلى سبيل المثال، فإن اكتشاف نفق أريزونا عملية تمت بفضل استخدام الطائرات المسيّرة ومشاركة المعلومات الاستخباراتية مع المكسيك، وهو ما يبرز ضرورة اتباع نهج متعدد الطبقات في الكشف عن مثل هذه الأنفاق. وأخيراً، يجب على الولايات المتحدة أن تنشئ فرقاً للاستجابة السريعة متخصصة في تدمير الأنفاق تكون قادرة على تحديد الأنفاق غير المشروعة وتحييدها وهدمها بسرعة قبل أن تشكّل خطراً أمنياً أكبر.وخلاصة القول إن الولايات المتحدة لن تستطيع أن تحارب بشكل فعال التهديد المتزايد تحت الأرض على الحدود الجنوبية إلا من خلال دمج كل هذه العناصر ضمن استراتيجية متماسكة.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.