في ظل احتدام الأحداث على الساحة العالمية مع الحرب الروسية الأوكرانية، وانعقاد أول جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة منذ
عقود لتناول الأزمة، يذكرنا ذلك بحادثة شهيرة لزعيم سوفيتي وثقها التاريخ.
كانت الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 902 التي عُقدت في نيويورك يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول عام 1960 واحدة من أكثر الدورات إثارة للجدل بفترة الحرب الباردة، لكن أرسل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف بعد ذلك صندوق نبيذ إلى رئيس الجلسة على سبيل الاعتذار.
وأزيح الستار عن القصة في سلسلة كبيرة من الأوراق الدبلوماسية من 1957 -1961 والتي نشرت من أرشيف دبلن قبل أعوام.
وكان الدبلوماسي الذي ترأس الجلسة هو فريدريك بولاند، والذي لاحظ الحادث وأشار إليه في تقرير إلى رؤسائه بعد ذلك.
كان بولاند أول سفير لأيرلندا بالأمم المتحدة وكان يترأس جلسة الأمم المتحدة عندما دخل خروتشوف وقائد وفد الفلبين، لورينزو سومولونج، في نقاش ساخن تم توثيقه في التاريخ الدبلوماسي تحت اسم “حادثة خورتشوف” التي ضرب بها طاولة الأمم المتحدة.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية حينها تقريرا قالت فيه إن سومولونج كان يتهم السوفييت “بابتلاع” أجزاءً من أوروبا الشرقية عندما قاطعه خورتشوف.
وتضمن التقرير أيضًا صورة لخورتشوف وهو يجلس بالمكان المخصص لوفد بلاده وأمامه حذاء.
وطبقا لتقارير من تلك الفترة، شوهد خورتشوف وهو يلوح بإحدى فردتي حذائه في مرحلة ما بعدما عاد إلى مقعده وربما حتى ضرب به على المنضدة أمامه حيث استأنف سومولونج حديثه.
وفيما بدأت الأمور تهدأ، اتهم الوزير الروماني رئيس الجلسة بعدم الدفاع عن خورتشوف، وازدادت حدة هجائه لدرجة إغلاق الميكروفون الخاص به، مما تسبب في مزيد من الضجة.
واعتبرت الحادثة بأكملها مصدر إحراج كبير للسوفييت، لاسيما خورتشوف الذي بدا وكأنه فقد السيطرة على نفسه.
لكن نفت تقارير ومقابلات أن يكون خورتشوف قد ضرب بحذائه على طاولة الأمم المتحدة.
وكتب عالم السياسة ويليام توبمان، الذي كتب أو حرر ما لا يقل عن ثلاثة كتب عن خورتشوف، بما في ذلك سيرة ذاتية عام 2003، مقالا بصحيفة “نيويورك تايمز” عام 2003 تضمنت عدة حوارات مع المتواجدين حول خورتشوف ذاك اليوم وذكرياتهم عن الأحداث.
وقال مراسل آخر للصحيفة إن الأمر لم يحدث أبدًا، لكن عارض جنرال من المخابرات السوفيتية (KGB) ذلك وقال إنه حدث.
وأفاد موظف بالأمم المتحدة بأن الأمر لم يحدث، في حين قال مترجم خورتشوف “نعم”.
ولم يكن السجل الرسمي للأمم المتحدة حاسما. وعرضت مجلة “تايم” الأمريكية صورة للحادث يعتقد أنه تم التلاعب فيها.
وتناول معهد “بوينتر” للدراسات في سان بطرسبرج الحادثة ووجد أن حادث ضرب الحذاء لم يحدث أبدًا.
وكان يعرف عن خورتشوف أنه يضرب بقبضته على المكاتب والمناضد في بعض الأحيان، لكن أصر أحد المصورين الذي كان متواجدا وقت حادثة الحذاء المزعومة أنها لم تحدث أبدًا.
وطبقا لموقع “روسيا اليوم”، أكد المؤرخ والكاتب ألكسندر مياسنيكوف، في مقابلة مع صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” عدم صحة تلك الحادثة.
وقال مياسنيكوف إن صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت مقالا حول كيف قام خروتشوف بالتلويح بحذائه وضربه على الطاولة، متسببة في ضجة كبيرة في جميع أنحاء العالم، وظهر شهود عيان ليقصوا رواياتهم بحماس.
وأشار إلى أنه بعد ذلك نشرت صورة لخروتشوف على منبر الأمم المتحدة مع حذاء في يده، ثم نشر لاحقا مقطع فيديو ظهر فيه نيكيتا وهو يطرق المنصة بحذائه.
وأضاف: “للتحقق من ذلك، يجب أن تدرس بعناية جميع صور خروتشوف التي التقطت في اجتماع الجمعية العامة هذا. يجب تركيز الانتباه على قدميه. الزعيم السوفيتي خلال تلك الجلسة لم يكن يرتدي أي حذاء، بل كان “صندل مفتوح”، وهذه الحقيقة كشفها نجله سيرغي خروتشوف، الذي كان حاضرا في تلك الجلسة للجمعية العامة”.
وطبقًا لـ”روسيا اليوم”، قال سيرغي في إحدى المقابلات: “عندما دخل والدي القاعة، أحاط به الصحفيون من جميع الجهات، وداس أحدهم على قدمه، بسبب ذلك، سقط الحذاء، أو بالأحرى الصندل. ولم يقم خروتشوف بارتدائه مجددا، لأنه كان من غير المناسب أن ينحني هذا الرجل البدين أمام الكاميرات ويحاول ارتدائه. لذلك ذهب وجلس في مكانه، وأحضر مرافقوه فردة الصندل وهي مغطاة بمنديل وتم وضعها أمامه”.
ويذكر أنه في عام 1953، تولى خورتشوف السلطة في الاتحاد السوفيتي بعد العهد الدموي لجوزيف ستالين، ليرث بذلك دولة على خلاف بالفعل مع حليفها بالحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة.