الخرطوم – محمد التيجاني:
تباينت أراء خبراء الاقتصاد حول قرار الحكومة السودانية الخاص بتعويم الجنيه، خشية غرق العملة المحلية ووسط مخاوف من إنفلات أسعار السلع.
واعتبر خبراء القرار الذي أتى ضمن حزمة تدابير، بمثابة “سلاح ذو حدين” قد يقود إلى محاصرة السوق الموازية للعملات وتوحيد السعر، في حين ربما يؤدي إلى انهيار تام للجنيه السوداني إذا لم يقوم البنك المركزي ببناء احتياطات معقولة نمن النقد الأجنبي والذهب.
ويقضي الإجراء السوداني بخروج البنك المركزي في البلاد من سوق الصرف، وترك الأمر للبنوك التجارية والصرافات بتحديد أسعار العملات حسب معطيات ووقع السوق.
وفي وقت مبكر من الإثنين، حدد بنك الخرطوم سعر بيع الدولار الأمريكي بـ526 جنيها، والشراء 530 جنيها، في خفض لقيمة العملة الوطنية بمقدار نحو 19% عن السعر قبل هذا القرار.
في المقابل تراجع سعر الدولار في السوق الموازي وبلغ 550 جنيها بعد أن وصل نحو 570 في اليومين الماضيين، وفق أحد المتعاملين بالنقد الحر.
وقال المتعامل إن تجار العملات حددوا 550 جنيها للدولار بشكل مبدئي وربما تتغير الأسعار في أي لحظة بناء على حجم الطلب من النقد الحر.
وتوقع حدوث تصاعد مستمر في أسعار العملات مقابل الجنيه السوداني، لافتاً الى أن التراجع الذي حدث اليوم ناتج عن كون التجار يرغبون في معرفة مجريات السوق بعد القرار الحكومي وتحسباً لعدم التعرض لخسائر.
قرار توحيد سعر الصرف في السودان
قرار توحيد سعر الصرف، أيضاً خلف مخاوف واسعة لدى المواطنين السودانيين من خلال تفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي، كون الخطوة ستسهم في مزيد من التصاعد في أسعار السلع مثلما حدث في عهد الحكومة السابقة.
انهيار وشيك للجنيه السوداني
وأبدى الخبير الاقتصادي أحمد خليل تخوفه من أن تقود الخطوة إلى “غرق” وانهيار وشيك للجنيه السوداني، نسبة لعدم وجود احتياطات كافية من النقد الحر، لمواجهة تداعيات التعويم.
وقال خليل “عندما عومت الحكومة الانتقالية السابقة بقيادة الدكتور عبدالله حمدوك الجنيه جزئياً، كانت تستند الى دعم دولي واسع وتفاعل إيجابي من المواطنين خاصة المغتربين الذي قاموا بتوجيه مدخراتهم الى الجهاز المصرفي والتحويل عبر البنوك، مما ساعد على بناء احتياطات وإحداث استقرار في سعر الصرف خلال فترة وجيزة”.
وأضاف “لكن السلطة الحالية لا تحظ بالتأييد المطلوب وفي ظل صراع سياسي قامت حملات تحث المغتربين والمواطنين بالداخل على مقاطة الجهاز المصرفي الرسمي وتغذية السوق السوداء، الشي الذي سوف يؤدي الى فشل سياسة تعويم الجنيه وبالتالي مزيد من التراجع في الوضع الاقتصادي”.
وتابع “خلال الفترة القادمة ستجد الدولة نفسها عاجزة عن تسديد فاتورة الاستيراد مما يدفعها الى دخول السوق السوداء للحصول على النقد الحر، مما يقوي من المضاربات ويقود الى انهيار تام في قيمة الجنيه”.
وشدد خليل أنه في ظل ضعف الإيراد في الدولة بناء على تصريحات من المسؤولين سوف تلجأ الحكومة الى طباعة الجنيه والتوسع في عرض النقود والذي ينعكس بدوره سلباً على معدل التضخم والذي سيؤثر على سعر الصرف.
تعويم الجنيه سلاح ذو حدين
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير إن الخطوة تعد سلاح ذو حدين، فقد تقود لمحاصرة السوق الموازية للعملات وتوحيد السعر، في حين ربما تؤدي لمزيد من الانفلات إذا لم يقوم البنك المركزي ببناء احتياطات معقولة نمن النقد الأجنبي والذهب.
وأضاف الناير أن قرار توحيد سعر الصرف في الاطار النظري سوف يعمل على انخفاض في قيمة الجنيه في بادي الأمر وبعد فترة يحدث الاستقرار المطلوب، ولكن في الواقع الفعلي فإن نجاح هذه السياسة على قدرة البنك المركزي على بناء احتياطات من النقد الأجنبي والذهب”.
وشدد أنه لا يجد أن تقف الدولة مكتوفة الأيدي وعليها البحث عن موارد في ظل توقف التمويل الخارجي، فالذهب وحده ربما ينجح في تحقيق الاستقرار اللازم في سعر الصرف خلال فترة وجيزة.
وقال إن قرار تعويم الجنيه ربما لا يقود الى زيادة في الأسعار بالوقت الراهن، “لأن القطاع الخاص السوداني يقود بوضع تسعيرة للسلع تفوق السعر الموازي للدولار بكثير، وقد يحدث تصاعد بالأسعار لكن خلال فترة طويلة من الآن”.
تعويم الجنيه وأسعار السلع في السودان
لكن الخبير الاقتصادي علي إبراهيم يرى أن عملية التعويم الجديد ستؤدي الى مزيد من الانفلات في سعر الصرف وأسعار مجمل السلع، في ظل تقارير تتحدث عن تآكل احتياطات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي السوداني.
وقال إبراهيم إن السوق الموازي سيظل في حالة تصاعد مستمر للحفاظ على تقدمه على الجهاز المصرفي الرسمي، وأيضاً لتزايد الطلب عليه من المستمرين”.
وشدد على ضرورة ان تقوم الدولة بحظر استراد بعض السلع لتفادي تزايد الطلب على النقد الأجنبي وكواحدة التدابير الإسعافية للتقليل من مخاطر تعويم الجنيه.
وتراجع الاقتصاد السوداني بشكل مريع عقب توقف مساعدات دولية مليارية نتيجة قرارات اتخذها قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي وقضت بإقالة الحكومة الانتقالية وفرض حال الطواري بالبلاد وتجميد بعض بنود الوثيقة الدستورية.
وجاءت قرارات الأمس التي شملت الى جانب تعويم الجنيه، إنشاء محاكم خاصة بمخربي الاقتصاد كخطة إسعافية تحاول إنقاذ الوضع الاقتصادي في البلاد من شبح الانهيار، لكنها تواجه تحدي اضطراب سياسي غير مسبوق.