dhl
dhl

القيصر والكوميدي… لقاء بوتين وزيلينسكي يبحث عن معادلة “الأعدقاء”

مع احتدام القتال في أوكرانيا ووسط غموض بشأن وقفٍ محتمل لإطلاق النار، يبقى الأمل في كرة ثلج تتدحرج من لقاء قمة يُطفئ لهيب الحرب ويثلج قلوب العالم.

لقاءٌ يُصر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على عقده مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي يرفض حتى اللحظة تلبية الدعوة.

دعوةٌ باتت تتكرر هذه الأيام من ساكن القصر في أوكرانيا، على وقع اشتداد القصف لليوم السابع والعشرين من الحرب.

فقبل يومين، صرح زيلينسكي لشبكة CNN الأمريكية بأنه مستعد للتفاوض مع بوتين، قائلا: “كنت مستعدا على مدى العامين الماضيين، وأعتقد أننا لن نستطيع إنهاء هذه الحرب دون تفاوض”.

وأمس الإثنين، عاد الرئيس الأوكراني ليجدد عرضه بإجراء محادثات سلام مباشرة مع نظيره الروسي، مشيرا إلى أن وضع الأراضي المتنازع عليها قد يكون مطروحا للنقاش وإجراء استفتاء محتمل.

وأخبر الصحفيين أنه “إذا أتيحت لي هذه الفرصة وكانت لدى روسيا الرغبة، فسنراجع جميع الأسئلة”، مستدركا: “هل سنحلها جميعها؟ لا. ولكن هناك فرصة أننا نستطيع جزئيا – على الأقل أن نوقف الحرب”.

فما هي فرص اللقاء؟

في الأول من مارس/آذار الجاري، وبعد خمسة أيام على اندلاع الحرب، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أنه من السابق لأوانه الحديث عن لقاء بين بوتين وزيلينسكي.

غير أنه ومع مرور الأيام، استبدل بيسكوف لهجة التشاؤم بالتفاؤل، وصرح في الحادي عشر من الشهر الجاري، بأنه “من غير المستبعد إمكانية عقد اللقاء”.

تفاؤلٌ ربطه المتحدث باسم الكرملين بضرورة أن يكمل أولا الوزراء والوفود من الطرفين عملهم في المفاوضات الجارية، “كي لا يلتقي الرئيسان من أجل اللقاء، بل لإحراز نتيجة”.

على الضفة الأخرى، ينبعث من المفاوضات الجارية بين روسيا وأوكرانيا، أعمدة دخان بعضها مصحوبة بسحب تفاؤل وأخرى لا تبعث على ذلك.

فالاتفاق على فتح ممرات آمنة لإجلاء المدنيين من مناطق القتال، كان إحدى النتائج الإيجابية التي أسفرت عنها تلك المفاوضات.

لكن ورغم ذلك التقدم، فإن المباحثات “ما زالت تجد صعوبة” في التوصل إلى تسوية تُرضي الطرفين، وهو ما أعلن عنه الوفد الروسي أمس الإثنين، وأكده الرئيس الأوكراني.

وقال الوفد الروسي إن الهدف من جولات المفاوضات الجارية يتمثل في إيجاد حل لعدد من القضايا المعقدة، تمهيدا لوضعها على جدول الأعمال، وصولا إلى النتيجة النهائية وهي “إبرام سلام يناسب الشعبين”.

ماذا ينتظر بوتين؟

ومن “موسكوفا” إلى “البوسفور”، تتحرك مياه الحرب مخبرة بأن بوتين ليس مستعدا بعد للقاء زيلينسكي ، ومن المرجح أنه يريد المزيد من مكاسب الحرب.

وهو ما ألمح له مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمتحدث باسمه إبراهيم كالن في حديثه مع صحيفة “نيويورك تايمز”، معتقدا أن الرئيس الروسي يسعى إلى “موقف أقوى” قبل القمة المحتملة.

ومع ذلك، لم يستبعد كالن الذي تتحرك بلاده دبلوماسيا على خط الحرب، إمكانية اللقاء، قائلا إنه سيعقد في وقت ما.

وأضاف “سيكون هناك اتفاق سلام في مرحلة ما. بالطبع، نريد جميعا أن يحدث هذا عاجلا وليس آجلا، لكن ربما يعتقد بوتين أنه يريد أن يكون في موقع قوة عندما يفعل ذلك، ولا يبدو أنه ضعيف، أضعف بفعل الخسائر العسكرية أو العقوبات الاقتصادية”.

وتربط تركيا علاقات وثيقة مع موسكو وكييف، واستضافت اجتماعا تاريخيا بين وزيري الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا والروسي سيرجي لافروف في منتجع أنطاليا الجنوبي الأسبوع الماضي.

وإن التقيا، أين ستكون القمة؟

وإلى أن يُظهر الرئيس الروسي اهتماما حقيقيا بالتفاوض مع نظيره الأوكراني، تبقى الأنظار تبحث عن المكان الذي سيجمع الطرفين.

ففي ظل تزاحم الجهود الدبلوماسية الباحثة عن حل لوقف الحرب، تظهر تركيا وإسرائيل على مقياس الأماكن التي يمكن أن تحتضن اللقاء.

الرئيس الأوكراني من جانبه رأى أن إسرائيل مكان مناسب لانعقاد اللقاء مع نظيره الروسي، في ظل حديث عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، إلى كييف، بعد أن كان قد التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق من الشهر الجاري.

في المقابل، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مرارا، عن استعداد بلاده استضافة لقاء مع نظيريه الروسي والأوكراني.

نيةٌ تعززها جهود تركية على خط الأزمة، في مقدمتها استضافة تركيا للمحادثات الأولى بين وزيري الخارجية الروسي والأوكراني منذ بداية الحرب، في لقاء كان منتظرا بشدة بين الطرفين.

إسرائيل بدورها تروج لميزة سياسية محددة تجعلها قادرة على إحداث اختراق في طاولة القمة، حيث قال مصدر دبلوماسي إسرائيلي لوكالة فرانس برس إن بلاده هي “اللاعب الوحيد القادر على التحدث مباشرة إلى روسيا وأوكرانيا، ومع الدول الغربية مثل ألمانيا وفرنسا”.

محاولات إسرائيلية تركية يرى فيها مارك بيريني الباحث الزائر في كارنيغي أوروبا “أمرا جيدا”، لكنه لا يرى “أهمية أساسية لذلك”.

وقال لوكالة فرانس برس “لا أعتقد أن حلا سلميا قد يمر عبر تركيا وإسرائيل، لأن منازلة بوتين هي مع الرئيس (الأمريكي جو) بايدن وحلف شمال الأطلسي، ولست متأكدا أنه يريد مخرجا من هذه الأزمة”.

ومن بين المحاولتين، يرى مراقبون أن حظوظ تركيا ضعيفة في تحقيق هذا الأمل، وذلك لوجود خلافات بين الطرفين اللذين كانا على نقيض في نزاعي ليبيا وسوريا.

فهل يفلح التحالف الذي عقده أردوغان مع بوتين في السنوات الأخيرة وأزعج أحيانا حلف شمال الأطلسي، في ترجيح الكفة التركية؟

كيف سيُقنع زيلينسكي بوتين بإصلاح ما أفسدته الحرب؟

الإجابة عن السؤال تحتاج استعراضا للقضايا الشائكة بين روسيا وجارتها السوفيتية السابقة.

فموسكو كانت قد طرحت على الغرب قائمة من الضمانات الأمنية من أجل خفض التوترات في أوروبا ونزع فتيل الأزمة بشأن أوكرانيا.

قائمة تتضمن أن يعيد الناتو عقارب الساعة إلى عام 1997، وسحب قواته وبنيته التحتية العسكرية من الدول الأعضاء التي انضمت إلى الحلف منذ ذلك العام، وعدم نشر أسلحة هجومية بالقرب من حدود روسيا، ما يعني أوروبا الوسطى والشرقية.

وفي هذا الصدد، يقول الرئيس بوتين إن الغرب وعد في عام 1990 بأن الناتو لن يتمدد “شبرا واحدا نحو الشرق”، لكنه فعل ذلك على أي حال، وذلك في إشارة منه إلى حقبة الرئيس السوفيتي آنذاك ميخائيل جورباتشوف.

كما طالبت روسيا أيضا، بعدم إجراء تدريبات دون موافقة مسبقة من روسيا في أوكرانيا وأوروبا الشرقية ودول القوقاز مثل جورجيا أو في آسيا الوسطى.

ما يعني إبطال إمكانيات أوكرانيا العسكرية التي “ازدادت مؤخرا إلى درجة كبيرة بدعم من الخارج”، وفق ما أعلن المتحدث باسم الكرملين في وقت سابق.

المطالب الروسية لم تتوقف عند هذا الحد، لتمتد أيضا إلى “اجتثاث النازية” بحسب الكرملين.

القرم وأخريات

في بداية الحرب، أراد الرئيس الروسي أن تعترف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا التي سيطرت عليها عام 2014، وأن تعترف باستقلال الشرق الذي يديره الانفصاليون.

وقد لا تفسد جزيرة القرم ولوهانسك ودونيتسك، الصفقة إذا اتفق الجانبان على معالجة هذه المشكلة في وقت لاحق.

وبما أن الرئيس الأوكراني، قد تخلى مؤخرا عن إصراره بشأن انضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلسي، فإن هذه العقدة قد تفك مسألة الحياد العسكري الذي تطالب به روسيا.

ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟

الأمر بالنسبة للكرملين لا ينفك بالناتو فقط، بل بعقدة أخرى هي رغبة كييف بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

فأوكرانيا ومنذ حصولها على استقلالها عام 1991، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، انحرفت تدريجيا نحو الغرب متمثلا في كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وسبق للرئيس الأوكراني، أن دعا خلال أيام الحرب، الاتحاد الأوروبي إلى “فعل المزيد” من أجل بلاده، بعدما استبعد زعماء الدول الـ27 انضمام كييف السريع إلى التكتل، في اجتماع طارئ انعقد في فرساي الفرنسية لمناقشة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت وقتها قد دخلت يومها الخامس عشر.

وقد أسفرت الحرب عن تصاعد التأييد داخل الاتحاد الأوروبي للرئيس الأوكراني، غير أن قادة التكتل رأوا أن مسارا سريعا للعضوية “غير ممكن”.

مطالب أوكرانيا

تقول كييف على لسان مسؤوليها إن متطلباتها واضحة، وهي وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية، ولكن أيضا ضمانات أمنية ملزمة قانونا من شأنها أن تمنحها الحماية من مجموعة من الدول الحليفة التي من شأنها أن تمنع الهجمات و”تلعب دورا نشطا إلى جانب أوكرانيا في الصراع”.

أما بالنسبة لتأمين الانسحاب العسكري الروسي إلى مواقع ما قبل الحرب، فلن يكون مطلبا أوكرانيا فحسب، بل أيضا خطا أحمر بالنسبة للغرب، الذي سيرفض قبول “صراعات روسية مجمدة” أخرى، كما يقول مارك ويلر، أستاذ القانون الدولي وخبير وساطة سابق للأمم المتحدة، لشبكة بي بي سي البريطانية.

ومع إصرار زيلينسكي المتكرر على عقد اللقاء مع نظيره الروسي، هل سيقبل بوتين الدعوة ويرفع سماعة الهاتف التي “تجاهلها” مع بداية الحرب- بحسب ما أعلن عنه الأول- إيذانا بربيع يذيب الجليد السميك المطبق على فوهات الحرب.

إصرارٌ يقابله حيثيات تمضي على وقع تفاؤل يكابد من أجل أن يتجسد على أرض واقع يبدو متقلبا إلى حد يصعب معه تكهن السيناريوهات المحتملة للقاء القيصر والممثل الكوميدي السابق، لكن الثابت هو أن نتيجة المفاوضات غالبا ما تحددها موازين القوى على الأرض.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.