أثار الإعلان عن تسجيل إصابات بعدوى فيروس جدري القرود امتدت لأكثر من 20 دولة عبر العالم، موجة من الشائعات والمعلومات المغلوطة.
وكما كان الحال مع فيروس كورونا، فقد ركزت شائعات جدري القرود على تداول منشورات تؤكد على نظرية المؤامرة وأن ظهور الفيروس كان أمرا مدبرا، وأن البعض تحدث علنا عن ذلك قبل عدة شهور، على غرار التصريحات المنسوبة لرجل الأعمال الشهير بيل جيتس، ومنشور آخر حول مؤتمر ميونخ للأمن في مارس/ آذار 2021.
توقعات مسبقة
وتعليقا على ذلك، يقول استشاري الباطنة بالمعهد القومي للكبد والأمراض المعدية في مصر، الدكتور محمد علي عزالعرب، إن المنشور المتداول يتعلق بسيناريو افتراضي تم طرحه في مارس/ آذار 2021، خلال مؤتمر ميونخ للأمن.
وأضاف عزالعرب، في تصريحات لموقع “الحرة” الأمريكي أن ذلك السيناريو الافتراضي تحدث عن كيفية مواجهة الأوبئة البيولوجية المتوقعة، ومنها “جدري القردة”.
وتابع: “مؤسسة إن تي أي نفسها قامت بسيناريو سابق في يونيو/ حزيران 2019، وكان عن انتشار الطاعون ووضعوا خططا للحد من ذلك، لكن لم يحدث انتشار للطاعون”.
واستطرد: “هذه السيناريوهات توضع بشكل دوري حول كيفية مواجهة مرض معين، بالاستعانة بخبراء من عدة دول، ويجب الاستفادة من تلك السيناريوهات للاستعداد المسبق لمواجهة الأمراض التي قد تنتشر بين البشر”.
فيروس مُصنع؟
ورغم الحقائق السابقة، ذهبت بعض الشائعات إلى أن “الفيروس مُصنع داخل معمل”، واستخدم أنصار تلك النظرية، بعض الصور من المسلسل الكرتوني “ذا سيمبسونز” للتدليل على هذا الادعاء.
ويقول عزالعرب إن نظرية المؤامرة متواجدة بكثافة خلال الفترة الماضية، ويستخدم المروجون لها بعض الأحداث للتدليل على صحة ادعاءاتهم. وتساءل:” في حالة تصنيع الفيروس داخل معمل، فما الذي يضمن السيطرة عليه بعد ذلك؟”، مشدداً على أن تلك النظريات غير علمية إطلاقا.
وتابع: “من الناحية العلمية لا يمكن السيطرة على الفيروسات المصنعة أو المعدلة جينياً أو التي تم التلاعب بتسلسلها الجيني”، مضيفاً أنه “في حالة تخليق الفيروس يمكن للعاملين بالمختبر الإصابة به”.
وأوضح أن “فكرة انتقاء من يصاب ومن لا يصاب أو من يموت ومن لا يموت غير علمية، والحديث عن لقاحات جاهزة ومصنعة مسبقاً غير مجدية علمياً”، مؤكدا أن اللقاحات الجاهزة لا تعطي مناعة كاملة بنسبة 100 في المائة”، وأنه “لا يوجد انتقاء في المرض”.
جائحة جديدة
خلال الأيام الماضية، تم الربط بين فيروس كورونا، ومرض جدري القردة، وتداولت بعض الحسابات بمواقع التواصل الاجتماعي، الحديث عن انتشار متوقع لجدري القردة، بشكل يشبه جائحة كورونا.. فهل يمكن أن يتحول المرض إلى جائحة جديدة؟
يقول الدكتور عزالعرب، إن جدري القردة لن يتحول إلى وباء كفيروس كورونا، لأنه محدود الانتشار. وتوقع ظهور حالات جديدة مصابة بجدري القردة، مستدركاً “لكن الأمر لن يتطور إلى مرحلة الجائحة مثلما حدث مع كورونا”.
وعن أسباب ذلك، يقول عز العرب إن معدل انتشار جدري القردة محدود للغاية، فإذا خالط مريض بجدري القردة 50 شخصا فاحتمالية العدوى تحدث لشخص واحد بين الـ50. وتابع: “جدري القردة يختلف تماماً عن فيروس كورونا الذي يتميز بسرعة انتشاره”.
لقاحات كورونا تضرب المناعة
تحدثت بعض الشائعات أيضا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن أن لقاح كورونا، تسبب في الحد من مناعة الجسم وظهور فيروس يسمي VAIDS يجعل الشخص أكثر عرضة لأنواع أخرى من الأمراض، فما صحة ذلك؟
وفقاً لمجلة “نيوزويك”، فإن تلك المزاعم غير دقيقة علمياً، فلا يوجد أي دليل على أن لقاحات كورونا تسبب نوعا من الإيدز، ولا توجد أي روابط مثبتة بين أمراض المناعة الذاتية وجدري القردة.
وفي سياق متصل، قالت رئيسة قسم العلوم الجراحية وأستاذة علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة كولومبيا، دونا فاربر، إنه لا يوجد شيء يسمى “متلازمة نقص المناعة المكتسبة من اللقاح” أو VAIDS، وفقاً لـ”رويترز”.
وقال ستيفن جلوكمان، أستاذ الأمراض المعدية في كلية بيرلمان للطب في جامعة بنسلفانيا والمدير الطبي في بن جلوبال ميديسن، إن فيروس VAIDS، غير حقيقي. وأضاف أنه لا يوجد دليل على ارتباط نقص المناعة بلقاحات كورونا.
وتعليقاً على ذلك يقول عزالعرب: “نفس الأشخاص الذين رفضوا التطعيم بعد ظهور جائحة كورونا، هم أنفسهم من يرددون تلك الادعاءات”، مضيفاً: “اللقاح لا يسبب الإصابة بأمراض نقص المناعة، والحديث عن ذلك غير صحيح بتاتا”.
سهولة الانتشار
وفي إطار نظريات المؤامرة، تفاعل عدد من مستخدمي موقع “تويتر” مع تغريدة لشخص يقدم نفسه عبر حسابه على أنه “استشاري الميكروبيولوجي والمناعة، تحدث فيها عن سهولة انتشار الفيروسات عبر الجلد.. فهل ذلك حقيقي؟
يرد على ذلك الدكتور عزالعرب، قائلاً: “سرعة وسهولة العدوى عبر الجلد، أقل بكثير من نظيرتها عبر الهواء، وفي حالة جدري القردة فوسيلة نشر العدوى هي التعرض لرذاذ مباشر أو الالتصاق بجسم الشخص المصاب خاصة في منطقة الجلد”.
كما “يمكن نشر عدوى جدري القردة، عن طريق الاتصال الجنسي أو لمس الملابس الداخلية الخاصة بالمريض، أو التعرض لافرازات المصاب”. وأوضح أن “المرض يشبه الجدري التقليدي لكن مضاعفاته ونسب الوفيات به أقل بكثير”.
وأكد عزالعرب أن أعراض مرض جدري القردة هي ارتفاع درجات الحرارة، والقشعريرة، والإرهاق، والصداع، ووهن في العضلات، يليها تورم بالغدد الليمفاوي، ثم الطفح الجلدي. وشدد على أنه يجب الحذر من “جدري القردة” لكن دون تهويل، مشيرا إلى أن المرض ليس خطيرا ولا توجد توصية عالمية حتى الساعة بخصوص تطعيم جماعي لمكافحته.
حقائق ومعلومات
ووفق منظمة الصحة العالمية، كُشِف لأول مرّة عن جدري القردة بين البشر في عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية لدى صبي عمره 9 سنوات كان يعيش في منطقة استُؤصِل منها الجدري عام 1968.
ويرتبط هذا المرض بالجدري ولكنه عادة ما يكون أخف لاسيما سلالة غرب أفريقيا من الفيروس التي تم رصدها في إصابة بالولايات المتحدة، والتي يبلغ معدل الوفيات الناجمة عنها نحو واحد في المائة.
وتشمل أعراض المرض النادر الحمى وآلام العضلات وتضخم الغدد اللمفاوية والقشعريرة والإرهاق وطفحا جلديا يشبه جدري الماء على اليدين والوجه. ويشفى المصابون بجدري القردة بعد أسبوعين إلى 4 أسابيع عادة.
ويقول مسؤولو الصحة إنه يجب على الأشخاص تجنب المخالطة الوثيقة لشخص مصاب بطفح جلدي أو يبدو مريضا، كما يجب على الأشخاص الذين يشتبهون بإصابتهم بجدري القرود عزل أنفسهم وطلب الرعاية الطبية.