صعب هو العثور على كلمات مناسبة تصف مشاعرنا حين داهمتنا أنباء مقتل 19 طفلاً ومعلمين في تكساس الأسبوع الماضي. لقد شعرنا بالصدمة والخوف وحتى الغثيان، ثم شعرنا بالاشمئزاز من إدراك أن هذا الكابوس يتكرر مرة أخرى.
وفي اليوم التالي، غصت الصحف بالرسوم البيانية والتوضيحية التي قدمت معلومات مفصلة عدد عمليات إطلاق النار الجماعي، والقتل في المدارس، والقتل بالأسلحة النارية، وعدد الأسلحة المملوكة للمدنيين وقد بلغت 400 مليون سلاح ناري. وخلاصة القول إن لدينا أسلحة ويقع لدينا معدلات قتل وأحداث قتل جماعية سنوياً، بالنسبة لعدد السكان، أعلى من أي بلد آخر على وجه الأرض، وبفارق كبير. ومهما يكن من أمر عدد نوبات الغضب التي نكابدها، فإننا نعلم في أعماقنا أنه لن يتحرك ساكن. فقد استسلمنا للعيش في خوف، عالمين أن الكابوس سيطاردنا مرة أخرى. إننا بلد مريض. فمناقشاتنا حول عنف الأسلحة النارية مختلة ومثيرة للشفقة.
و«الجمهوريون» وبعض «الديمقراطيين» الذين يخشون بأس جماعة ضغط «الاتحاد القومي الأميركي للأسلحة»، يرفضون اتخاذ إجراء بحجة قداسة الحق غير المقيد في امتلاك الأسلحة. ويجادلون بأن حل عنف الأسلحة هو المزيد من الأسلحة.
ومع تكرار الإخفاق في إقرار تشريع يحظر الأسلحة النارية أو يضع قيوداً على شرائها، توقف «الديمقراطيون» عن السعي أو اكتفوا بتقديم مقترحات ضعيفة. وبهذا أصبحت كل مأساة جديدة تولد رعباً قصير الأمد، ثم يليه توجيه بعض الاتهامات، ومحاولة فاترة الحماس لإقرار بعض الإصلاحات المحدودة، ثم الفشل. والواقع أعمق من السياسات أو التشريعات، ويتجاوز تقدم تكنولوجيا أسلحتنا أو عددها الهائل. فالمشكلة الجذرية في «ثقافة الأسلحة» العليلة. فقد نشأ جيلي على اللهو بلعبة «الشرطة واللصوص». وإذا لم يكن لدينا مسدسات أو بنادق لعب، فقد كنا نحاكي إطلاق النار من المسدس بأصابعنا ونحاكي أيضاً صوت إطلاق النار قائلين «بوم بوم… لقد مت»! ويحكي أحفادي حكايات خيالية عن أبطال المستقبل الخياليين الذين يمتلكون أسلحة أكثر فاعلية تقتصر على العصي أو الأصابع التي تؤدي الغرض عند الحاجة وتمثل أسلحة بها كل أنواع قوى التدمير.
وتعتمد ألعاب الفيديو والأفلام التي يشاهدونها ويلعبونها إلى حد كبير على القتل، لدرجة أنه أصبح أمراً طبيعياً. ومن المهد إلى اللحد، نقتات على نظام غذائي ثابت من الأسلحة النارية والعنف.
ومن الرسوم الكاريكاتورية وألعاب الفيديو إلى أفلام «مهرجانات الرصاص والدماء» للمخرج كوينتين تارانتينو، أصبحت الأسلحة النارية والقتل متأصلة في «ثقافتنا العميقة»، فقد أصبحت جزءاً من منا كأمة مثل تصورنا عن فكرة «أمي وفطيرة التفاح». وفي فيلم «Gun Crazy» الكلاسيكي عن الجريمة، تحدق الشخصية الرئيسية «بارت» بشغف في نافذة عرض في متجر. والمسدس ذي الرصاصات الست كان موضع أمانيه. وبعد عجزه عن مقاومة رغبته في امتلاكه، يكسر زجاج نافذة العرض ويحاول سرقته، ليتم القبض عليه. وحين وقف بارت أمام القاضي حاول تفسير هوسه بالسلاح، قائلاً: «أشعر بالرضا حين أطلق النار عليهم.
أشعر بالرضا في داخلي، وكأنني شخص له كيان». وهوس بارت بالمسدس في الفيلم مرضي وأدى في نهاية المطاف إلى القضاء عليه. وأفكر في بارت حين أرى وجوه المتحمسين للأسلحة النارية وهم يقفون في طوابير للحصول على ما يخشون أن يكون آخر عملية شراء لهم قبل أن «يأخذ الديمقراطيون أسلحتنا بعيداً». وحين أشاهدهم وهم يحتضنون أسلحتهم القتالية بحنان، أفكر في بارت، وأعلم أن لن يأتي خير من وراء هذا.
وهذا الهوس يعرقل أيضاً وضع أي ضوابط معقولة على ملكية الأسلحة النارية. وطريقة عمل «الاتحاد القومي الأميركي للأسلحة» بسيطة ومباشرة وتتمثل في: لا مناقشة، لا حل وسط، لا تنازلات. إنهم يدثرون قضيتهم القاتلة بالدستور، مجادلين بأن هناك خطراً يحيق بالحريات الأميركية، مما يزيد من تأجيج مشاعر أتباعهم. وفي النهاية، لدينا ثقافة «جنون السلاح»، وأشخاص مدججون بالسلاح مقتنعون بأنهم الوطنيون الحقيقيون الذين يدافعون عن الحرية ضد الاستبداد.
وإذا أضفنا الاستياء والضغوط التي أدت إلى ولادة حزب الشاي وتوجهات ترامب (بما في ذلك نداء العنصرية الذي لا يكاد يخفى)، يصبح لدينا مادة خطيرة وقابلة للانفجار. وسنخوض المزيد من النقاشات الغاضبة. وقد نقر بعض التشريعات الضعيفة. ثم يتشتت انتباهنا حتى تقع المذبحة التالية.
وستقع مذبحة أخرى، لأنه ما لم نناقش بإسهاب وبجدية على الصعيد الوطني علاقتنا العاطفية المريضة بالأسلحة النارية ونتطهر من هذه الحالة المرضية، فإننا سنظل نحوم فحسب حول قضية تقتلنا دون أن نناقش جوهرها.
الاتحاد الإماراتية