مع اقتراب الانتخابات البلدية في لبنان، اقترح عدد من الأحزاب والشخصيات في لبنان وبطريقة مفاجئة موضوع تقسيم العاصمة بيروت إلى بلديتين.
وسريعاً بدأ هذا الطرح يتفاعل في الأوساط اللبنانية، خصوصاً أن التقسيم المطروح يقسّم العاصمة طائفياً بحيث يتم فصل المناطق المسيحية عن الإسلامية في العاصمة وإنشاء مجلس بلدي منفصل لكل جزء منهما.
وأثار هذا الطرح تخوفاً من عدد من القيادات والشخصيات وخصوصاً أنه يعيد إلى الأذهان، ما كان يجري أيام الحرب الأهلية حينما كانت العاصمة مقسمة لجزئين، يعرفان ببيروت الشرقية تحت سيطرة المليشيات المسيحية، وبيروت الغربية التي كانت تحت سلطة المليشيات الإسلامية.
وهذا الطرح كان أول من أثاره نائب رئيس الحكومة السابق النائب غسان حاصباني، الذي طالب بانتخاب مجالس محلية في بيروت إلى جانب المجلس البلدي للعاصمة، فتكون الأولى معنية بالمتابعة الحثيثة لحاجات السكان ويكون الثاني معنياً بالمشاريع الاستراتيجية والمشتركة لكافة أحيائها.
بدورهم، تقدم نواب “التيار الوطني الحر”، باقتراح قانون يرمي إلى استحداث بلديتين في مدينة بيروت.
ويتضمن الاقتراح، تقسيم البلدية إلى دائرتين: الأولى، تضم المناطق العقارية التالية: الأشرفية، الصيفي، الرميل، المدور والمرفأ. والثانية، وتتضمن مناطق ميناء الحصن، الباشورة، راس بيروت، المصيطبة، زقاق البلاط، المزرعة وعين المريسة.
وبحسب هذا التقسيم، يتم فصل أحياء العاصمة المسيحية في العاصمة عن المسلمة، وجعلهما يتبعان لبلديتين منفصلتين.
بدوره، تخوف النائب عن “حزب الكتائب” نديم الجميل، من إلغاء مناصفة المجلس البلدي في بلدية بيروت نظراً لتفوق طائفة عددياً على أخرى.
ويتألف مجلس بلدية العاصمة اللبنانية من 24 عضواً مقسمين مناصفة بين مسلمين ومسيحيين.
والتخوف الجديد مرده هو غياب القوة الاكبر في العاصمة اي تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري الذي كان يضمن كما فعل والده في السابق المناصفة.
اما اليوم وبعد غياب الحريري فالامور يمكن ان تتجه الى الفوضى الانتخابية وبالتالي غياب التوازن الطائفي عن المجلس البلدي.
وبيروت هي المحافظة الوحيدة في لبنان التي تتألف من بلدية واحدة تضم سائر مناطق وأحياء العاصمة.
وتتولى البلدية التي يرأسها، عرفاً، مسلم سني، الصلاحيات التقريرية، فيما يتولى المحافظ، وهو مسيحي أرثوذكسي بالعرف أيضاً، السلطة التنفيذية.
ورفض مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان اقتراح تقسيم البلدية منعاً لأن تكون هناك بلدية للأحياء التي تسكنها غالبية من المسلمين، وبلدية للأحياء التي تسكنها غالبية من المسيحيين.
واستغرب “ما يردده البعض من طروحات ومشروعات همايونية في تقسيم بلدية بيروت، وهذه إرهاصات تنذر بما لا تُحمد عقباه، ولا يمكن أن تمر لأن التقسيم عودة إلى شرقية وغربية في بيروت، وهذا أمر مرفوض شكلاً ومضموناً ويهدد العيش المشترك الإسلامي المسيحي الذي حافظنا وسنحافظ عليه مهما كان الثمن”.
وقال دريان بعد عودته من مكة المكرمة، حيث كان يؤدي مناسك الحج، إن “التناقش على بيروت من خلال بلديتها لا يرضى به الجميع، والأمور تعالج بالحكمة وبالقانون لا بتجاوزه، وهذا يستدعي استنفار كل المخلصين المعنيين في هذا الأمر”.
واعتبر نائب بيروت عن الكتلة التغييرية في البرلمان اللبناني إبراهيم منيمنة أن “أهم ما يمكنهم فعله هو الدفع بإقرار قانون اللامركزية في المجلس النيابي كمدخل لتحسين الحوكمة المحلية في كل لبنان وبما في ذلك العاصمة بيروت، وليس بقوانين “على القطعة” من منطلق تقسيمي وطائفي، غير مستندة الى أي دراسات سوى طروحات شعبوية لا تعالج الأزمة”.
وقال منيمنة لـ”العين الاخبارية” إن “تقسيم بلدية بيروت بالشكل المطروح من خلال حملة شعبوية تستهدف الغرائز الطائفية، هو تنفيذ لما عجزت عنه الحرب الاهلية في تقسيم المدينة ورسم حدود بين شوارعها.”
وأكد أنه “سيواجه هذا الطرح المحدود برؤيته ويكشف التفكير الطائفي كما أنه لا يعكس مصلحة الناس، بل سيؤدي إلى شرذمة أهالي العاصمة”، لافتاً إلى أن “نهج الفساد والهدر والمحاصصة هو الذي أدى إلى انهيار البلاد برمتها، وإلى ما آلت إليه بلدية بيروت اليوم”.
بدوره، قال النائب ملحم خلف لـ”العين الاخبارية”: “لم نتطلع على اقتراح القانون إنما من حيث المبدأ نرفض التقسيم والعاصمة يجب أن تبقى موحدة”.
وأضاف أنه “إذا كان هناك من مشكلة في التحديث والإنماء فهذا يعمل عليه ومطلوب لكل مناطق العاصمة وليس لجزء منها، وإذا كان هناك من اعتبارات تمثيلية تؤخذ بعين الاعتبار وتدرس إنما بعيدا عن الفكر التقسيمي”.
وفي رد على كيفية مواجهة هذه الحملات، قال خلف: “الموضوع يجب أن يقارب بمقاربة قانونية وسنرد عليه وفق قناعاتنا الوحدوية لا سيما في ما يتعلق بوحدة العاصمة بيروت وما تمثل”.
في المقابل، تتمسك القوات اللبنانية بمطالبها، رافضة الحديث عن تقسيم العاصمة.
القيادي في “القوات اللبنانية” ومرشحها في الانتخابات النيابية إيلي شربشي قال لـ”العين الإخبارية”: “إننا نتحدث عن اللامركزية الإدارية الموسعة في بيروت وليس عن تقسيم، أمّا كل من يحاول تحريف الوقائع والحقائق فهو التقسيمي”.
وأشار إلى أن “طرح اللامركزية في بلدية بيروت يرتبط ارتباطًا وثيقًا وعضويًا بما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني والتعديلات التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الدستور اللبناني (وثيقة اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية اللبنانية) وهي اللامركزية الإدارية الموسعة”.
وتابع: “سكان وأبناء الأشرفية والرميل والصيفي والمدور (الأحياء المسيحية في بيروت) بمختلف مكوناتهم الثقافية والدينية والاجتماعية مجمعين على وجوب تطبيق اللامركزية الموسعة واستحداث بلدية لهم تُنتخب من قبلهم ويُحاسب مجلسها ورئيسه أمامهم ومنهم”.
وأشار إلى أنه “خلافًا لما يسوّق معارضي اللامركزية في بيروت ولأسباب إمّا طائفية بامتياز وإمّا ذميّة ومبنية على المصالح المالية والخدماتية الخاصة، فإن البلديتين المقترح تشكيلهما تضم كل منهما في بقعتها الجغرافية وتعداد سكانهما الثقافي والديني والاجتماعي كل العائلات البيروتية المتعددة وإن اختلفت النسب بينهما”.
ولفت أيضا إلى أن “أهل بيروت الأولى بكل مكوناتها من مسيحيين ومسلمين وغير مؤمنين متفقين بأنه لا يمكن الاستمرار بهذه الصيغة المركزية في بيروت، لأن الاهمال الذي يطالهم تخطى كلّ الأطر والسقوف المقبولة”.
وشدد على أنه “منذ قيام الجمهورية اللبنانية، لم تكن بيروت موحدة دوماً في الانتخابات النيابية بل كانت إما دائرة واحدة أو دائرتين – كما هو قائم اليوم – أو حتى ثلاث دوائر ولم يؤد ذلك إلى تقسيم العاصمة، فلماذا ما هو مسموح نيابياً ممنوع بلدياً، مع العلم أن أعضاء المجالس البلدية هم أكثر احتكاكاً من النواب مع ناخبيهم وتفاصيل مشاكلهم اليومية؟!”.