ليس كل ما يقال يصدق وليس كل ما يصدق حقيقة.. وانطلاقا من هذا القول لا تسمحوا لمسامعكم أن يطربها تغنى إنجلترا بالحريات التى نحافظ على قواعدها أكثر منها وإن كنت لا تشاطرنى الرأى.. فإليك الدليل..
هل سمعت قبل ذلك عن سجن بلمارش والذى يعد من أكثر السجون البريطانية شهرة بسبب معاملة السجناء، والذى وصفه بعض النزلاء بأنه “جهنم”. وغالباً ما يوصف سجن بلمارش بأنه “جوانتانامو بريطانيا” ، ومثله مثل سجن داتمور فى ديفون، وسجن بينتونفيل فى شمال لندن، وسجن بارلينى فى غلاسكو.
بنى سجن بلمارش فى الجزء التاريخى من جنوب شرقى لندن فى المنطقة التى كانت من قبل تسمى “الترسانة الملكية”، حيث كان يجرى تصنيع كل الذخيرة التى يستخدمها الجيش البريطانى.
يتكون السجن من أربع وحدات إضافة إلى مبانى الأمن والخدمات وغيرها، أشهرها بالطبع هى الوحدة شديدة الحراسة. وتبلغ سعة السجن 910 نزلاء إجمالاً، وفيه زنازين فردية وزوجية وزنازين لثلاثة نزلاء. وتبلغ سعة وحدة الحراسة القصوى 48 نزيلاً وهى الوحدة الأشد تأميناً ويستغرق مجرد الدخول إليها عدة دقائق، إذ يقوم الضباط بفحص وتدقيق وجه الداخل عبر كاميرات تعمل عن بعد. ولا يمكن أن يُفتح فى تلك الوحدة بابان فى وقت واحد، وتكاد تكون تلك الوحدة سجناً داخل السجن.
تضم هذه الوحدة نزلاء سجن بلمارش الأشد خطورة على الإطلاق، ومن تتوفر لديهم القدرات والإمكانيات للهرب أو ارتكاب أى شىء. ولا تزيد خدمة العاملين فى تلك الوحدة على ثلاث سنوات، لتفادى أى احتمال ولو كان ضئيلاً لتكوين علاقة بالنزلاء. كما أن من يعملون بها من حراس وغيرهم يتلقون تدريباً على أساليب الاستقطاب والاستمالة وغير ذلك بحيث يمكنهم التعرف مبكراً على أى محاولة لاستغلالهم.
كما لا يقضى النزيل فى تلك الوحدة ذات الحراسة القصوى أكثر من شهرين فى الزنزانة نفسها، ويتم نقله وتغيير مكانه بحيث لا يمكنه التعود على المكان أو إخفاء أى شىء. ويبدو ذلك شبه مستحيل، لأن النزلاء فى تلك الوحدة مراقبون طوال الوقت تقريباً. ومع أنه يسمح لهم بالتريض خارج الزنازين إلا أن ذلك يكون فى مكان مغطى بشبكة حديدية بحيث لا يغيبون عن عين الحراس مطلقاً.
ولا يسمح بسوء السلوك فى تلك الوحدة بأى شكل. وهناك درجات عقابية أولها إبقاء النزيل الذى ينتهك القواعد لمدة 23 ساعة يومياً فى زنزانته (الوقت المعتاد 12 ساعة فقط). وفى حالات السلوك الأسوأ ينقل النزيل إلى ما يسمى “الصندوق” وهى غرفة ليس بها أى شىء على الإطلاق.
سجن بلمارش شديد الحراسة أشهر المجرمين فى بريطانيا، ومنهم تشارلز برونسون المدان بالسرقة المسلحة، الذى اشتهر فى السجن بتهديد ومهاجمة النزلاء. ومن حوادثه الشهيرة حين اصطدم به نزيل عراقى متهم بالاختطاف ولم يعتذر فاحتجز برانسون 3 رهائن عراقيين ونزيلا آخر وطلب السماح له بالذهاب إلى ليبيا. طبعاً لم يلب طلبه وزادت مدة حكمه خمس سنوات أخرى. من هؤلاء أيضا رونى بيجز، مرتكب “سرقة القطار الكبرى”، الذى هرب من السجن عام 1965 ليمضى 36 عاماً يعيش من دون تخف فى أستراليا وريو دى جانيرو قبل أن يعود إلى بريطانيا ويودع فى بلمارش.
هناك أيضا بعض المشاهير المتهمين بالإرهاب مثل أنجم شودرى وخطيب مسجد فينسبرى بارك أبو حمزة المتهم بالتحريض ضد التاج (فاهم) وممن بدأوا مسيرتهم فى بلمارش أيضا الليبى هاشم عبدى، شقيق مفجر ساحة مانشستر، الذى كان شريكاً له فى الهجوم. وهاجم عبدى أحد الحراس ولدى مساءلته قال للقاضى: “لقد هاجمت هذا الخنزير القذر، ولا أرى أنى ارتكبت خطأ فى ذلك”، إضافة إلى عدد من المجرمين الذى يقضون عقوبة السجن مدى الحياة فى جرائم قتل متعددة. أحدثهم الشرطى واين كوزينس الذى اختطف واغتصب وقتل الشابة سارة إيفرارد بعد أن اعتقلها من دون وجه حق بتهمة خرق قواعد الحجر فى وقت جائحة كورونا (ملحوظة لم تعتذر الشرطة عن الواقعة).
إلى جانب المجرمين الجنائيين والإرهابيين، هناك أيضا مشاهير مثل زعيم اليمين المتطرف تومى روبنسون “واخد بالك”، وكمان الروائى الشهير ونائب حزب المحافظين الحاكم سابقاً جيفرى أرشر. وقضى أرشر مدة عقوبته فى بلمارش بعد إدانته بالشهادة الزور. وبعد خروجه، ألف جيفرى آرشر كتابه عن السجن بعنوان “بلمارش: جهنم”.
طبعاً يبقى الأكثر شهرة حتى الآن هو جوليان أسانج الذى يعرفه مئات الملايين حول العالم ممن اطلعوا على ما سربه من وثائق على موقع “ويكيليكس”.
أسعد الله أوقاتكم بكل خير فى ظل قيادة حكيمة تواجه الجريمة بالقانون الذى يحكمه مبدأ الشرعية.. مصر لا يوجد بها بلمارش.