dhl
dhl

دافيد برودر يكتب: إيطاليا و«اليمين» الأوروبي

قبل الانتخابات الإيطالية التي جرت الخريف الماضي، كانت تصوَّر جورجيا ميلوني على أنها مصدر تهديد. ولكن بحلول هذا الصيف، تم التسامح مع كل شيء: مع إعجابها ببينيتو موسوليني في فترة شبابها، ذلك أن ميلوني، التي يشاد ببراغماتيتها ودعمها لأوكرانيا، نجحت في أن تبني لنفسها صورة كشريكة غربية موثوق بها، وأساسية لاجتماعات مجموعة السبع وقمم «الناتو» على حد سواء. وتأتي الزيارة التي قامت بها إلى واشنطن، يوم الخميس، لتؤكد مكانتها عضواً مهماً في المجتمع الدولي. غير أن الحكاية المطمئِنة لتحول ميلوني إلى البراغماتية تتغاضى عن شيء مهم: ما يحدث في إيطاليا. فقد أمضت إدارة ميلوني أشهرها الأولى في اتهام الأقليات بتقويض ثالوث الدين والأمة والأسرة. الكثير من أهمية هذا ودلالاته يوجد خارج حدود إيطاليا، إذ يُظهر كيف يستطيع اليمين المتشدد كسر الحواجز التاريخية مع يمين الوسط. فحلفاء ميلوني باتوا موجودين في السلطة في بولندا، وحصلوا على الشرعية مؤخراً أيضاً من خلال دعمهم لأوكرانيا. وفي السويد، يعتمد تحالف يمين الوسط على دعم «ديمقراطيي السويد» الأصليين من أجل الحكم. وفي فنلندا، أبلى «حزب الفنلنديين» المناهض للهجرة بلاء أفضل وانضم إلى الحكومة.وعلى الرغم من أن هذه الأحزاب، ومثل العديد من نظيرتها الأوروبية، سبق لها أن رفضت عضوية «الناتو» والاتحاد الأوروبي، إلا أنها تسعى اليوم للحصول على مكان في المؤسسات الأوروبية الأطلسية الرئيسية وتحويلها من الداخل. وفي هذا المشروع، يمكن القول إن ميلوني تقود الطريق. وتحت الضغوط الإيطالية، يكرس ميثاق هجرة جديد تابع للاتحاد الأوروبي حق الدول الأعضاء في طرد طالبي اللجوء.الحكومة الإيطالية الحالية لا تمثّل عودة إلى الماضي. ولكن بتحفيزها اليمين السياسي، تجازف بأن تصبح شيئاً آخر تماماً: مستقبل أوروبا. فالمحافظون في بريطانيا باتوا يرددون اهتمام ميلوني الشديد بتفضيل معدلات المواليد على الهجرة. والسياسيون الفرنسيون المناهضون للهجرة، مثل إريك زمور يشيرون إلى إيطاليا كنموذج لكيفية «توحيد قوى اليمين»، بل حتى في ألمانيا، بات رفض «الديمقراطيين المسيحيين» الطويل بحث إمكانية عقد اتفاق مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» تحت الضغط. والأكيد أن النجاح ليس حتمياً.فقبل انتخابات الأسبوع الماضي في إسبانيا، خاطبت ميلوني حليفها القومي «بوكس»، معلنة أن وقت «الوطنيين» قد حان، والحال أن نصيبه من الأصوات تراجع والأحزاب اليمينية المتشددة فشلت في الحصول على الأغلبية. غير أن «بوكس» أضحى جزءاً دائماً من الساحة الانتخابية وحليفاً منتظماً للمحافظين. وعلى الرغم من نجاحها المتزايد، إلا أن هذه القوى كانت تصوَّر على مدى سنوات على أنها أطراف متمردة قادمة من الخارج وتمثِّل ناخبين لطالما عانوا من التهميش والتجاهل. ولكن الحقيقة الأكثر إثارة للقلق هي أنها لم تعد أحزاب احتجاج، وإنما باتت على نحو متزايد محل ترحيب ضمن التيار الرئيسي للمشهد السياسي. وما على المرء إلا النظر إلى واشنطن ليتأكد من ذلك.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.