ترصد الحرب الأهلية في ليبيريا صدرت حديثًا رواية جديدة للكاتب أحمد فريد المرسي تحت عنوان “منروفيا”، والمقرر لها أن تشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب.. والصادرة عن بيت الحكمة للنشر.
رواية “منروفيا”، سردية تنطلق من أحداث واقعية حدثت خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في “منروفيا” عاصمة دولة ليبيريا الواقعة على الساحل الغربي للقارة الأفريقية في صيف 2002، وهي الحرب التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، وكذلك الكثير من مجرمي الحرب.
الرواية تطرح سؤالاً حول مدى معقولية العالم الذي نعيشه بحواسنا في مقابل العالم الذي ننسجه بأمانينا! حيث تتبع المشاهد التي تتسارع بتطور الأحداث خطوات شاب مصري ساقته الظروف ليعيش في مدينة “منروفيا”، التي أنهكتها الحروب والصراعات، فيصحبنا الكاتب في رحلة مشوقة ننظر فيها عن كثب لمقاربة البطل مع الآخر المجهول واللامعقول، وفي كثير من الأحيان ينتقل معه القارئ لمساحة ما بين الحقيقة بأبعادها الحسية وتلك الحقيقة الأخرى التي تقبع في اللاوعي.
يدور مجمل أحداث الرواية في مدينة منروفيا مع التعرض لظروف حياة البطل السابقة ونشأته في مدينة الإسكندرية المصرية، وتأثير تلك النشأة على تطور شخصيته وقدرته على التعامل مع واقعه الجديد، حيث يتكشف مع الأحداث أن الغموض الذي يكتنف شخصية البطل من خلال الغوص في تكوينه النفسي منذ نشأته كطفل في بيت توترت فيه العلاقة بين والديه، واختلطت فيه المشاعر الإيجابية والسلبية.
يقابل البطل شخصيات مختلفة كمديره الألماني “كلاوس” كذلك الليبيريون الذين يتعامل معهم يومياً، كما ينفتح على مجتمع التجار اللبنانيين الذين يسيطرون على التجارة في المدينة، وفي مقدمتهم “أبوعبدالله البرجي” الرجل الذي سكن في إحدى شقق بنايته بالشارع التجاري، ويقدم له نموذجاً يختلف عن “كلاوس” في التعامل مع الواقع ويكتشف “رحمة” في متجر البرجي لتنشأ علاقة بينهما تعينه ليس فقط على تقبل واقعه الجديد، بل تخلق ألفة وارتباطاً بهذا المجتمع، شيئاً فشيئاً يكتسب البطل الثقة، ويكتشف محيطه الغامض.
وتتسارع الأحداث وتتحول منروفيا إلى ساحة للحرب الأهلية، ويضطر لأن يواجه أحداثًا جنونية تقودنا إلى نهاية مشوقة غير متوقعة، الرواية تفرد قدراً من الحكي لظروف البطل النفسية، وكيف تأثرت سلباً وإيجاباً في منروفيا، حيث يتكشف له عالم آخر غريب تتنازعه فيه أطياف وخيالات وسحرة وشخوص تمتحن قدرته الذهنية على الصمود، لكنه أيضاً عالم تتصدر فيه “رحمة” واجهة الأحداث.
“رحمة” الفتاة الأفريقية غريبة على حواسه، شهية لغرائزه، مثيرة لعقله، يلتقيها بعد بضعة أيام من وصوله، ثم يغرم بها وتضعه أمام أسئلة مصيرية تحدد علاقته بمنى، التي سافر إلى ليبيريا لكي يستطيع تحصيل ما يكفي للزواج منها، كذلك تتيح الرواية المجال للنظر في محيطه الاجتماعي، وتسرد لكيفية تقبله وتعامله مع المجتمع المنروفي، الذي يختلف عن كل ما أدرك وعقل من قبل.
تتصاعد أحداث الرواية درامياً متبعة في ذلك رصد أحوال المجتمع الليبيري، فيما قبل ثم أثناء الحرب، ومن ثمَّ تأثير هذه الحرب بمحاربيها وبشاعتها ولا معقوليتها على بطل الرواية وتفاعلاته مع الشخوص في محيطه، وتطرح عليه وعلى القارئ سؤالاً حول ماهية علاقته برحمة وتسلط الضوء على الحرب الأهلية، كحدث تعاني منه الكثير من المجتمعات، وخاصة في أفريقيا وما يترتب عليها من ظواهر اجتماعية سلبية في المجمل وإيجابية في بعضها.
الرواية أيضاً تقدم خطاً سيكولوجياً يتبلور شيئاً فشيئاً بتتابع الأحداث وتصاعد الحبكة الدرامية، ثم يسيطر في النهاية ويضع القارئ أمام تفسيرات صادمة، لتصرفات البطل حيث تتكشف رويداً رويداً أبعاده النفسية لتبرر للمتلقي سر تعلقه برحمة! والرواية في مجملها أسئلة معيارية من خلال تفاعلات خطوط ثلاثة رئيسية تُحكى بالتوازي، أولها الخط الاجتماعي الذي يصف حالة المجتمع في تلك الفترة، وكيفية تعايش بطل الرواية مع مختلف الشخوص، الذين تتقاطع حيواتهم وحياته خلال ممارساته اليومية.
والخط الثاني هو الخط الرومانسي، والذي يتناول حياة البطل العاطفية ومشاعره وتقلباتها وتعلقه بفتاة منروفية، والخط الثالث هو الخط السيكولوجي، الذي يطرح السؤال الأساسي للسردية حول تعريف من هو الانسان السوي، وما هي الخطوط الفاصلة بين ما هو مقبول اجتماعيًا كشطوط ذهني وقتي، وما هو مرض نفسي يستوجب المعالجة، وفي سبيل ذلك يسلط الضوء على عزلة الإنسان وتشرنقه على ذاته، بما يحول دون أن يتكشف للآخرين عواره النفسي، الأمر الذي يمنعه من الوصول إلى طوق نجاة قد ينقذ هذا الإنسان من محنته أو لا.
جدير بالذكر أن الكاتب أحمد فريد المرسي ولد في حي العباسية بالقاهرة 12 فبراير 1974، وتخرج في مدرسة القبة الثانوية العسكرية، قبل أن يلتحق بكلية الإعلام جامعة القاهرة في عام 1991، تدرب أثناء سنوات الدراسة الأولى في جامعة القاهرة بجريدة أخبار اليوم في قسم الأدب ثم القسم الرياضي، وبعد عامين من الدراسة الجامعية أتيحت له فرصة السفر إلى الولايات المتحدة لدراسة السينما، لينتهي به المطاف في مدينة نيويورك حيث درس إنتاج الفيديو وتدرب في عدد من شركات الإنتاج والمحطات في نيويورك وأنهى دراسته الجامعية في 1996 ومن ثم عمل مساعداً للإخراج ثم مخرجاً بمحطة بلومبرج للأخبار الاقتصادية.
وفي عام 2001 التحق بالعمل الدبلوماسي في وزارة الخارجية المصرية، حيث عمل بمختلف البعثات المصرية في عدد من البلدان منها ليبيريا وكوت ديفوار والكونغو وشيلي وأستراليا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، للكاتب مجموعة شعرية نشرت في 2004 بعنوان نقوش عشق وارتحال.