القاهرة – خلود النجار:
أثارت حادثة قطع كابلين للاتصالات في أعماق بحر البلطيق، مملوكين للقطاع الخاص، الأسبوع الماضي، شكوكاً عديدة حول إمكانية أن يكون هجوم صيني مدبر باستخدام أدوات غير عسكرية.
وقالت صحيفة “بوليتيكو” إن المشتبه به الرئيسي في هذا الحادث هو سفينة شحن صينية، ولأن أي سفينة تجارية لن تقطع الكابلات تحت البحر من أجل المتعة، فإن الحادث يشير إلى عدوان ذو أهداف سياسية.
وحسب “بوليتيكو”، لن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يحدث فيها شيء من هذا القبيل، فمن المرجح أن نرى المزيد من هذا الضرر الموجه إلى الشركات الخاصة، لمجرد أنها أهداف غنية يؤثر ركودها على اقتصاد الدول التي تتبعها.
وتدير شركة أريليون ـ وهي شركة مقرها السويد، مملوكة لصندوق استثماري ـ كابلات الاتصالات في شبكة تمتد لمسافة 75 ألف كيلومتر عبر أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا، وتتيح الاتصال مباشرة بأكثر من 2750 عميلاً بالجملة في أكثر من 128 دولة”. وتتمتع الشركة، التي تمثل نموذجاً للاقتصاد العالمي، بمكاتب في مختلف أنحاء أوروبا، وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وتربط كابلاتها بين مختلف البلدان والقارات ـ لا غنى عنها للاقتصادات الحديثة.
ومع ذلك، ففي صباح يوم الأحد 17 نوفمبر، انقطع أحد كابلات أريليون، التي تربط بين السويد وليتوانيا، ولم تكن الشركة لتدرك أن شيئاً ما يجري قبل أن يتوقف الكابل فجأة عن العمل. وقال ماتياس فريدستروم، كبير المسئولين في أريليون، لصحيفة أفتون بلاديت السويدية اليومية: “إن كيفية انكسار الكابلات تشكل لغز، ولازالت التحقيقات جارية لكشف ملابسات الحادث رغم عدم معرفة السبب حتى الآن”.
وفي عالم أكثر سعادة في عصر العولمة، فإن مثل هذا التمزق غير المتوقع للكابل سيكون لغزًا بالفعل، حيث يعتني معظم مالكي ومشغلي ما يقرب من 600 كابل إنترنت تحت البحر في العالم بتركيباتهم الباهظة الثمن، ويتأكدون من عدم حدوث أي عثرات. ولكن في عالم تحاول فيه الدول إيذاء بعضها البعض، باستخدام أدوات غير عسكرية، تجد الشركات الخاصة نفسها فجأة على خط المواجهة.
ووفقًا لمسح المخاطر السياسية لعام 2024 لشركة الوساطة التأمينية العالمية WTW، في العام الماضي، شهدت 69٪ من الشركات المشاركة اضطرابات في سلاسل التوريد، وتكبد 72٪ خسائر تسبب بها سفن شحن تجارية تتبع دولاً مثل الصين وروسيا.
وفي كثير من الحالات، قد تكون الشركات نفسها مستهدفة بشكل مباشر، ففي الأشهر الأخيرة، شهدت شركات الخدمات اللوجستية الغربية مؤامرات تفجير الطرود، التي يُزعم أن روسيا حرضت عليها. وكان الرئيس التنفيذي لشركة صناعة الأسلحة الألمانية رين ميتال موضوع محاولة اغتيال، يُزعم أيضًا أن روسيا خططت لها.
وحسب تقرير “بوليتيكو”، تشعر الشركات الغربية في الوقت الحالي بالقلق من أن يستخدم المنافسون الصينيون والروس وسائل خبيثة لإزاحة سفنهم عن المناجم وعمليات الحفر في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.وفي أعالي البحار، قد يرى أصحاب الكابلات البحرية وخطوط الأنابيب ومزارع الرياح البحرية وغيرها من المنشآت البحرية منشآتهم تتعرض للتخريب على نحو مماثل لأغراض جيوسياسية أيضاً.
وهو ما هذا ما حدث لشركة أليريون، وكذلك شركة سينيا، المالكة الفنلندية لكابل سي-ليون1 الذي يربط فنلندا بألمانيا، حيث سارعت البحرية الدنمركية إلى ملاحقة سفينة الشحن الصينية يي بينج 3، التي كانت في الموقع عندما تضرر خطا الأنابيب، وهي تشق طريقها للخروج من بحر البلطيق. وبدون تسمية السفينة الصينية، وصف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الحدث بأنه “حرب هجينة” و”تخريب محتمل”.
ويبدو أن مثل هذا التخريب حدث أيضًا في فبراير 2023 لشركة تشونجهوا تيليكوم، عندما قطعت سفينتان تجاريتان صينيتان الكابلين البحريين لمقدمي خدمات الاتصالات اللذين يربطان جزر ماتسو التايوانية بتايوان.
وفي الوقت نفسه، يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر لمجرد أنها مملوكة للغرب، أو ترفع علم الغرب، أو لها روابط أخرى بالغرب حسب رؤية الحوثيين لاصحاب هذا العلم، الذي يحظون الآن بدعم روسيا، التي تم اكتشاف مشاركتها في استهداف الشركات الغربية في الممرات المائية الحيوية – لأسباب جيوسياسية ظاهريًا – وتحظى باهتمام عالمي غير مسبوق للقيام بذلك.
ولطالما كان لدى الشركات موظفون يراقبون التطورات العالمية، ويتابعون الأخبار ويقرؤون التقارير ويشاركون في المؤتمرات وما شابه ذلك، إذ ساعد هذا الرصد على تحديد مكان إنشاء عمليات جديدة، ومواقع استثماراتها، والوجهات الآمنة لسفر مديريها، وأين ومتى تداهمهم مخاطر الفساد والعنف الإجرامي.
وحسب إحصائيات الصحيفة، أصبحت أي شركة شحن أوروبية تقريبًا معرضة لخطر الضرر بدوافع جيوسياسية، وأبلغت 72% من الشركات المتعددة الجنسيات التي شملها استطلاع WTW عن خسائر بسبب هجمات دولية مدبرة في العام الماضي.
ما يعني أن الشركات – وخاصة تلك التي تدير منشآت حساسة – تحتاج إلى معرفة ما إذا كان المسؤولون الصينيون أو الكوريون أو الروس على متن السفن التجارية القريبة؟
فإن بعض شركات الشحن ومشغلي البنية التحتية البحرية لديها بالفعل عمليات جمع معلومات استخباراتية.