dhl
dhl

مصر تصنع السلام من شرم الشيخ.. نجاح مفاوضات عبر الحدود والنيران

القاهرة – أميرة المُحمَّدي:

في أجواء مشحونة بالتوتر والأمل، استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية جولات مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، بوساطة مصرية ودولية. وما أعلنته الأطراف من اتفاق أولي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، رغم الصعوبات المعقدة، يبدو اليوم كإنجاز دبلوماسي يُحتفى به، ليس فقط كوقف مؤقت للنار، بل كبداية لمسار يُحتمل أن يقود إلى استعادة جزء من الكرامة والأمل لآلاف المدنيين الذين عانوا من ويلات الحرب.كان اختيار مصر أن تكون منصة لهذه المفاوضات أمرًا متوقعًا؛ فالقاهرة منذ عقود تمارس دور الوسيط في الملفات الفلسطينية، وتتمتع بعلاقات دبلوماسية وطابع أمني يضمن لها حضورًا مؤثرًا في كل مفاوضات السلام. لذا، حين أُعلن أن وفدًا إسرائيليًا برئاسة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر سيتوجه إلى مصر للمشاركة في هذه المحادثات، بدا أن مصر تستعد لتضع بصمتها على ما يمكن تسميته “اتفاق شرم الشيخ”.وفي خطوة متوازية، أعلن إعلام مصري عن بدء محادثات غير مباشرة في شرم الشيخ بين المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين حول قطاع غزة، مما يؤكد أن الاتفاق ليس مجرد مفاوضة، بل جزء من محاولة لزرع استقرار سياسي في منطقة تعيش الصراع على مدار سنوات طويلة.تضمنت المفاوضات ملفات شائكة كإطلاق سراح الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية، وترتيبات الانسحاب الجزئي من بعض مناطق قطاع غزة. وقدّم الوفد الفلسطيني، بحسب تصريحات قيادات من حركة حماس، ما وُصف بـ”الإيجابية والمسؤولية” لإحراز تقدم ملموس في المحادثات. غير أن المراقبين يحذرون من أن الطريق بين التوقيع والتنفيذ لا يزال مليئًا بالعقبات، فالتفاصيل الصغيرة قد تحمل في طيّاتها شياطين السياسة التي تُفشل أحيانًا ما يُبنى بجهود مضنية.إعلان اتفاق أولي في شرم الشيخ يحمل بعدًا إنسانيًا وسياسيًا لا يمكن تجاوزه. فمع توقف القصف وإطلاق سراح عدد من المحتجزين، يمكن لآلاف العائلات في غزة أن تتنفس ولو قليلاً بعد شهور من المعاناة. كما أن هذا النجاح — وإن كان هشًّا — يُعد بمثابة دفعة لمصر لتأكيد دورها كصانع سلام وليس طرفًا في الصراع، وقدرتها على تحقيق اختراقات حتى في أكثر الملفات تعقيدًا.كما لاقى الاتفاق إشادة دولية واسعة، إذ وصفته بعض الصحف العالمية بأنه “نافذة لإنهاء المعاناة في غزة”، فيما حذرت أخرى من أن آليات التنفيذ قد تضعفه إن لم تُصغ بعناية وتحت رقابة دولية تضمن التزام الطرفين.عندما شاهدت صور الشوارع المهجورة في غزة، وسط الدمار وركام البنايات، تملكني شعور بأن الصمت أصبح قاسيًا أكثر من القذائف. ولكن في شرم الشيخ، جلس رجال المفاوضات، وطرحوا كلمات تُحيّد السلاح وتعيد للأمل مكانه في القلوب.حين وُقعت الخطوط الأولى من الاتفاق، بدا وكأن الأرض ابتلعت صراخ الناس، لكن انهارت جدران الخوف، فخرجت الأنفاس صافية مفعمة بالرجاء. لا زلت أذكر أنني حين كتبت سطوري الأولى في هذا التقرير، تمنّيت أن تُشرق شمس السلام حقًا، ليس بمؤقت، بل أن تستقر في غزة كضوءٍ لا يأفل.في شرم الشيخ، لم تكن المفاوضات مجرد اجتماع سياسي، بل كانت اختبارًا لإنسانيتنا جميعًا. مصر لم تتحدث بلغة المصالح فقط، بل بلغة القلب التي تفهم وجع الأمهات وصرخات الأطفال تحت الركام. هناك، بين جبال المدينة الهادئة، ارتفع صوت الحكمة على ضجيج الحرب، وكأن البحر الأحمر نفسه كان شاهدًا على ميلاد أمل جديد.ربما لم ينتهِ الصراع بعد، لكن يكفي أن مصر جعلت العالم يتذكر أن في السلام قوة، وفي الوساطة شجاعة، وفي كلمة “كفاية حرب” حياة جديدة لشعب أنهكه الانتظار.

اعلان الاتحاد
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.