منذ اندلاع الحرب الروسية بأوكرانيا، والغرب يلاحق المنتجات الروسية بعقوبات متشعبة.. واليوم تدخل الفودكا كقصة جديدة على خط الحظر.
وأعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حظر استيراد الفودكا من روسيا في أحدث رد على الحرب الروسية في أوكرانيا.
بايدن قال أيضًا إن الحلفاء الغربيين يخططون لإلغاء وضع روسيا كشريك تجاري مكافئ، مما يمهد الطريق لمزيد من العقوبات الاقتصادية.
وتأتي هذه الإجراءات إضافة إلى العقوبات التي عزلت روسيا اقتصاديًا مع تحول الصراع مع أوكرانيا إلى حرب منذ 24 فبراير 2022.
وتهيمن روسيا على صادرات سلع عديدة ومتنوعة، مما يجعلها واحدة من أكبر المورِّدين في العالم، وهو ما قد يضر بسلاسل الإمدادات، حال تصاعد الحرب والتداعيات المترتبة على العقوبات المتوالية.
“الفودكا” بمرمى العقوبات
تواجه صناعة شراب “الفودكا” الروسية صعوبات كبيرة، مع تشديد العقوبات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على روسيا، إثر الأزمة التي اندلعت بين الجارتين الروسية والأوكرانية، حتى قبل اتخاذ جو بايدن قرارًا بالحظر، حيث أمر حكام عدد من الولايات الأمريكية، متاجر الخمور التي تديرها الحكومة، بالتوقف عن بيع الفودكا الروسية الصنع والمشروبات الروحية المقطّرة.
وأصدر حاكم ولاية يوتا سبنسر كوكس الأمريكية، قرارًا بإزالة جميع المنتجات الروسية من على أرفف متاجر البيع بالتجزئة، لينضم بذلك إلى حكام ولايات نيو هامبشاير وأوهايو وبنسلفانيا.
الفودكا ليست مجرد مشروب عادي، لكنها علامة روسية بامتياز ارتبطت بهذا البلد وبتاريخه حتى غدت وجها له. واشتقت كلمة “فودكا” من كلمة “فودا” التي تعني الماء باللغات السلافية. بالتالي، فالفودكا تعني “ماء الحياة”.
لكن من غير المحتمل أن يكون للمقاطعة تأثير ملموس، حيث جاء 1.2% فقط من واردات الفودكا من روسيا في النصف الأول من عام 2021، وفقًا لمجلس المشروبات الكحولية المقطر في الولايات المتحدة، الذي يتتبع مثل هذه البيانات.
وتظهر بيانات المجموعة أنّ الفودكا الروسية شكلت 18.5 مليون دولار فقط من إجمالي 1.4 مليار دولار من واردات الفودكا في الولايات المتحدة في عام 2021، بما في ذلك 660 مليون دولار من فرنسا.
ويتم توزيع أشهر أنواع الفودكا الروسية الصنع التي تباع في الولايات المتحدة، من قبل مجموعة Roust ومقرها موسكو وشركة Roust International. ويباع أيضًا تحت اسم العلامة التجارية Green Mark Vodka.
الفودكا.. مرآة تاريخ روسيا
لم يعد مشروب الفودكا الروسي الشهير، البالغة نسبة الكحول فيه 40%، مجرد أحد أبرز رموز روسيا، وإنما جاء تاريخه بمثابة مرآة لتاريخ البلاد في مجالات أخرى من حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبعد أن كان إنتاج الكحول حكرًا على الدولة في عهد الاقتصاد المركزي في الحقبة السوفييتية، سيطرت بعض الشركات الكبرى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي على هذا القطاع المربح في تسعينيات القرن الماضي، ووصل الأمر في عام 2003 إلى إطلاق اسم “بوتينكا” على إحدى علامات الفودكا في بدايات عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في كتاب بعنوان “التاريخ الروسي المعاصر في 14 زجاجة فودكا”، تناول الكاتب الصحافي والمدون الروسي، دينيس بوزيريوف، مسيرة تطور قطاع إنتاج الفودكا كمرآة لتاريخ روسيا ما بعد السوفييتية، وكيف اختلطت فيه الصراعات من أجل المال والسلطة والنفوذ.
منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، شهد قطاع إنتاج الفودكا تطوراً كبيراً، وكان مرآة لما يجري في البلاد، بدءاً من الإصلاحات، ووصولا إلى مرحلة الهدوء في القرن الـ21.
وتدعو الأحزاب الشعبوية بمجلس الدوما (النواب) حتى اليوم إلى إعادة فرض احتكار الدولة لسوق الكحول، متحججة في ذلك بأن الفودكا كانت ذات يوم أهم مصادر تمويل خزينة البلاد، ولكنهم لا يذكرون أن ذلك كان يحدث في عهد روسيا القيصرية، قبل الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، حين لم تكن الخزينة تحصل على عوائد النفط والغاز على عكس ما كان عليه الحال في الحقبة السوفييتية أو اليوم.
وبحسب آخر تقديرات شركة “جي إف كيه” لدراسة الأسواق، فإن معدل استهلاك الفودكا في روسيا يبلغ 6.5 لترات سنوياً لكل عائلة، بينما بلغت نسبة العائلات التي اشترت زجاجة فودكا خلال آخر ستة أشهر، ولو لمرة واحدة، 32% مقابل 35% قبل جائحة كورونا في عام 2019.