وضعت مجلة أمريكية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مقعد التحليل النفسي للإجابة عن دوافع عمليته العسكرية في أوكرانيا.
وفي تفسير فرويدي للحرب عادت مجلة “فورين بولسي” لطفولة بوتين وحكايات الأمير فلاديمير وأحلام النخبة الروسية.
وقالت إن العديد من الخبراء يعتقدون أن طفولة بوتين وعمله في الاستخبارات، وقراءته للتاريخ الروسي، تقدم تفسيرا لعدائه للغرب.
ورأت “فورين بوليسي” أنه سواء انتهى “غزو” الرئيس الروسي لأوكرانيا في وقت قريب أم لا، فإن كراهيته الدائمة للولايات المتحدة والقوى الغربية وعدم ثقته بها لن يتوقف، حيث يُعتقد أنها لم تترك له أي خيار سوى شن حرب غير مُبررة.
وتشير المجلة إلى أن هذه الكراهية لا تقتصر فقط على بوتين، بل يشاركه في ذلك الكثير من النخب الروسية، التي دعمته على مدى عقدين، وكانت أيضاً سبباً رئيسياً في ارتفاع شعبيته في بلاده.
وتصف المجلة العداء الدائم للرئيس الروسي تجاه الغرب بأنه حكاية معقدة، زاد من وطأتها التاريخ الشخصي لبوتين (69 عاما) عندما كان طفلاً أثناء الحرب العالمية الثانية وجاسوسًا سوفييتيًا بالإضافة إلى التاريخ المتشابك الممتد لألف عام لروسيا نفسها، أو على الأقل قراءة بوتين له. والأهم من ذلك، هو أن بوتين والعديد من المسؤولين والنخب والعلماء الروس أصحاب الميول اليمينية الذين يدعمونه فقط لا يرغبون في أن يكونوا جزءًا من الغرب ونظام القيم الليبرالية لما بعد الحرب، بل يعتقدون أن مصير بلادهم هو أن تكون قوة عظمى- مناهضة لها.
واعتبرت “فورين بوليسي” أنه حتى “إذا أُطيح ببوتين من السلطة بطريقة ما، فإن الجنرالات ومسؤولي الأمن المحيطين به مُكلفون بتنفيذ عدوان مثله”، لافتةً إلى أن روسيا تكاد تكون بالفعل معزولة اقتصادياً كما كانت خلال الحقبة السوفيتية.
وترى المجلة أن بوتين ربما كان يستعد لهذه اللحظة منذ فترة أطول مما يعتقد الناس، مُشيرة إلى ما كتبه فلاديسلاف سوركوف، المستشار السابق للكرملين، بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، حيث وصف سوركوف الأمر بأنه “نهاية رحلة روسيا الملحمية إلى الغرب، ونهاية للمحاولات المتكررة وغير المجدية لتحويل روسيا إلى جزء من الحضارة الأوروبية، حيث توقع سوركوف أن تعيش روسيا في عزلة جيوسياسية لـ 100عام قادمة على الأقل.
ووفقاً للمجلة، أصبحت أوكرانيا حجر الزاوية لسلوكيات بوتين المعادية للغرب إلى حد كبير، لأن الزعيم الروسي ومؤيديه رأوا في الدولة الشقيقة تاريخياً “الخط الأحمر الأخير في سلسلة طويلة من الإذلال الغربي”، فقد تحدث بوتين مرارا في خطاباته عن المشروع الغربي المناهض لروسيا.
هذا الإذلال المُتصور (لروسيا) يعود إلى زمن بعيد، ليس فقط خلال الـ 30 عاماً التي تلت انتهاء الحرب الباردة، ولا حتى في الـ 100عام التالية لتأسيس الاتحاد السوفيتي عام 1922، لكنه يعود إلى عصر التنوير الأوروبي منذ أكثر من 3 قرون، والذي أدى إلى ظهور مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وبالنسبة للقوميين الروس، مثل بوتين، فإن هذه التطورات قد طغت تدريجياً على الطابع المميز لروسيا كحضارة.
ولا يرى بوتين نفسه، وفق روايته، على أنه وريث للسوفيت، لكنه يعتبر أنه حامي الحضارة الروسية وإمبراطورية موسكو الأوراسية، التي تمتد جذورها إلى ما قبل القديس فلاديمير، أمير كييف في الفترة من عام 980 إلى 1015 تقريباً.
وحكم القديس فلاديمير الدولة السلافية المعروفة باسم “كييف روس”، والتي يعتبرها الروس إمبراطوريتهم الأولى. وكانت كييف روس تقع في العاصمة الحالية لأوكرانيا، كييف. وأدى تحول القديس فلاديمير إلى المسيحية عام 988 إلى ظهور فكرة أن تصبح روسيا “روما الثالثة”، وريثة الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية، والتي سقطت بعد استسلام القسطنطينية للعثمانيين.
ولهذا السبب يرى العديد من الروس، مثل بوتين، “كييف روس” باعتبارها “مهد الحضارة الروسية”، وإلى كييف كـ”أم المدن الروسية”.