تونس – أنور السياري:
منحت المخرجة التونسية الفرنسية أريج السحيري في فيلمها الروائي الأول “تحت الشجرة”، مساحة للنساء الريفيات “العصريات” لإنشاء عالم صغير يعبّرن فيه بحرّية رغم قيود مجتمعهنّ المحافظ.
ولساعة ونصف الساعة، تتقاسم بعض العاملات في قطاف التين في منطقة ريفية في الشمال الغربي التونسي، أسرارهن وقصص حبهن وخلافاتهن.
يُطرح الفيلم الروائي الطويل في صالات السينما الأوروبية قريباً، وقد اختير ليمثل تونس في مسابقة الأوسكار للعام 2023 في فئة أفضل فيلم أجنبي.
تقول السحيري (40 عاما) في مقابلة مع وكالة فرانس برس إن حقل أشجار التين المتاخم لقرية كسرى “يمثل فضاء للحريّة تتبادل فيه العاملات وخصوصاً الشابات منهن، الأحاديث والنقاشات في كل المواضيع وبكل حريّة”.
وحاول الممثلون وهم هواة ينحدرون من هذه المنطقة ومعتادون على العمل في المجال الزراعي، سرد قصص ومقتطفات من حياتهم القاسية التي تشبه إلى حد ما صلابة جذع الشجرة، ولكنها في الوقت عينه هشّة وحساسة كثمرة التين الناضجة.
تضيف السحيري “الفيلم مستوحى من أحداث حقيقية حدثتني عنها العاملات في المزارع اللاتي يعملن بجد طوال العام، وأيضاً من فتيات المدارس الثانوية اللاتي يأتين في الصيف” خلال العطلة.
تؤدي الممثلة أماني الفضيلي دور الفتاة “فداء” في الفيلم، وهي في الأصل تعمل قاطفة للكرز خلال عطلة الصيف في قريتها.
تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الفتيات الشابات بشكل أساسي، يقطفن أحيانا بمساعدة صبي، التين الناضج والهشّ ثم يسلّمنه إلى نساء أكبر سناً لتوضيبه بعناية داخل صناديق.
ويحصل كل ذلك بإشراف رئيس العمل، الذي يمثل رمزا للسلطة الأبوية التقليدية.
أنتج فيلم “تحت الشجرة” بميزانية متواضعة بلغت 300 ألف يورو، وهو “فيلم عن الفرد والجماعة لأنهما متلازمين”، بحسب السحيري.
يتطرق العمل الفني أيضا إلى مفهوم التضامن بين النساء حين يتقاسمن الغداء، وكذلك الرغبة في التحرّر، ويظهر ذلك بوضوح عندما يذهبن في نزهة مع الصبية بجانب النهر أو عندما يتجملن بعد يوم من العمل الشاق، ويلتقطن صورا وينشرنها على مواقع التواصل الاجتماعي.
تقول المخرجة “شبابنا معاصر كما في باقي العالم”، مضيفة أنها تحاول “تفادي الصور النمطية للمرأة الريفية والتي تُسوَّق للخارج على أساس أنها انطوائية وبائسة”.
“بساطة” و”عفوية”
تدرك “فداء” ورفيقاتها في العمل جيّدا الوضع الاقتصادي والسياسي الصعب الذي تمر به تونس، لكنهن لا يتخلين عن الحلم بمستقبل أفضل.
كما تظهر المخرجة نساء تجاوزن الخمسين من العمر، مرهقات من عناء السنين، يقضين فترة الاستراحة لأخذ قيلولة أوالحديث في مسائل تخص آلامهن الجسدية وانكساراتهن.
يطرح الفيلم هذا التقاطع بين الجيلين، “إذ إن العاملات قد يعكسن صورة لمستقبل الفتيات”، وفق السحيري.
ومنحت المخرجة مطلق الحريّة للممثلين لارتجال الحوار مع احترام ركائز السيناريو، ما “أسعد كثيرا” المخرجة، خصوصا لناحية “سهولة التعبير لدى الشباب بكل حريّة وببساطة وبصدق وعفوية”.
لم تفكر السحيري عند إنجاز هذا الفيلم “المختلف والخاص”، في إمكان حصوله على الجوائز ولا في تمثيله تونس في الأوسكار.
وقد نال عملها جائزة “التانيت الفضيّ” في مهرجان “أيّام قرطاج السينمائية” عام 2022، بعد فوزه بجائزة “بايار دور” في مهرجان الفيلم الفرنكوفوني في نامور (بلجيكا) وجائزة لجنة “إيكو برود” في مهرجان كان السينمائي.
الفيلم إنتاج مشترك بين كل من تونس وفرنسا وسويسرا وألمانيا وقطر، ويبدأ عرضه الأربعاء في فرنسا، كما جرى توقيع عقود لتوزيعه في إيطاليا والمملكة المتحدة.
تخلص السحيري “أنا سعيدة للغاية، ما كان لفيلم أوّل من صنع هواة، أن يكون أحسن من ما كان، هذا مذهل”.