dhl
dhl

بول كروجمان يكتب: إنقاذ البنوك..ثلاث أساطير

نهاية الأسبوع الماضي، قرر صنّاع السياسات الأميركيون إنقاذ بنكين متوسطي الحجم هما: «بنك سيليكون فالي» و«بنك سيجنتشر». 
أجل، يتعلق الأمر بعمليتي إنقاذ مالي. وكنت أتمنى لو أن إدارة بايدن لا تحاول ادعاء غير ذلك. وأجل، إن المساهمين سُلبوا ممتلكاتهم. ولكن من الناحية القانونية، الودائع مؤمَّنة بما يصل إلى 250 ألف دولار فقط. وباختياره تعويض كل المودِعين، يكون «الاحتياطي الفيدرالي» قد أسدى خدمة كبيرة لأصحاب الحسابات الكبيرة. 
صحيح أن الخسائر، إن وُجدت – لأنه ليس من الواضح ما إن كان أي من البنكين معسراً، خلافاً لحالة الافتقار للسيولة المالية الجاهزة للتعاطي مع تهافت المودعين على البنك لسحب ودائعهم – لن تعوَّض من خلال ضرائب تقليدية أعلى، ذلك أن المال سيأتي من «المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع»، التي ستسترد الأموال، إن اقتضى الأمر، من خلال فرض رسوم أعلى على البنوك. ولكن هذه الرسوم ستمرر إلى الجمهور، وبالتالي، فإن دافعي الضرائب سيكونون في وضع صعب بحكم الواقع. 
ولكن هل كان ذلك قراراً في غير محله؟ الواقع أنني سمعتُ أربعة أنواع من الانتقادات. أحدها سخيف. واثنان منها مشكوك فيهما. ولكن الانتقاد الأخير جعلني أشعر بالقلق، وإن كنتُ أعتقد أنه خاطئ على الأرجح. 
ولنبدأ بالانتقاد السخيف. فعلى الجانب الأيمن من الطيف السياسي، سرعان ما التف الكثيرون حول الادعاء القائل بأن «بنك سيليكون فالي» إنما فشل لأنه كان متأثراً بآراء يسارية مثل العدالة الاجتماعية وغيرها. وهو ما يُعد مضحكاً ويشبه القول إن الانحياز إلى تلك القضايا يتسبب في حوادث انحراف القطارات عن سكتها. 
ولكن لا، إن «بنك سيليكون فالي» لم يتميز عن البنوك الأخرى في قلقه بشأن التنوع والبيئة وغير ذلك. ثم إن البنوك تتعرض للإفلاس منذ قرون، وقبل وقت طويل على شروع إدارات الموارد البشرية في استخدام لغة جاهزة ومبتذلة حول المسؤولية الاجتماعية في «بيان الرسالة» الخاص بها. ولهذا، فإن الحديث عن التأثر بآراء أو مواقف يسارية لا يخبرنا بشيء عن إفلاس البنوك، وإنما يخبرنا بالكثير عن الإفلاس الفكري والأخلاقي لليمين الأميركي المعاصر. 
لننتقل الآن إلى الانتقادات الأكثر جدية. هناك حجة معقولة، حجة أتفقُ معها إلى حد كبير، مفادها أن إفلاس «بنك سيليكون فالي» لم يكن يطرح تهديداً للنظام البنكي على النحو الذي طرحه إفلاس مؤسسات مالية بدءاً بـ«ليمان براذرز» في 2008. وبالتالي لماذا إنقاذ المودِعين؟
حسناً، أحد الأجوبة، شئنا أم أبينا، هو أن «بنك سيليكون فالي» أصبح يلعب دوراً مهماً في ما يمكنك أن تسميه النظام المالي لقطاع التكنولوجيا. ذلك أنه إذا خسر المودعون إمكانية الوصول إلى أموالهم، وإن بشكل مؤقت، فإن ذلك كان سيجعل الكثير من شركات التكنولوجيا على ما يبدو غير قادرة على دفع رواتب موظفيها أو دفع فواتيرها – وهو ما كان سيتسبب في ضرر تبقى آثاره مستمرة. صحيح أن القضاء على قطاع العملات الافتراضية كان سيمثّل خدمة عامة، غير أن هناك الكثير من الأشياء الجيدة التي قد تتضرر أيضاً. 
وبهذا المعنى، فإن إنقاذ «بنك سيليكون فالي» كان شيئاً يشبه عمليتي إنقاذ شركتي «جنرال موترز» و«كريزلر» في 2009، واللتين كانتا أيضاً مبررتين على اعتبار أنهما ستحافظان على قطعة أساسية من النظام الاقتصادي. ومع أن الإنقاذ المالي لقطاع صناعة السيارات انتُقد بشدة حينئذ، إلا أنه بالنظر إلى الوراء نظرة متأنية يبدو أنه كان قراراً صائباً وفي محله، وإن كلّف دافعي الضرائب المليارات في نهاية المطاف. 
الانتقاد الثالث هو الادعاء بأن «الاحتياطي الفدرالي» أسّس بتدخله لمبدأ أن كل الودائع مؤمَّنة فعلياً، ولكن من دون أن يواكب ذلك فرض قواعد أشد وأكثر صرامة على ما تفعله البنوك بتلك الودائع، مما يخلق حافزاً للمجازفة غير المسؤولة. غير أن صنّاع السياسات لم يضمنوا بشكل صريح كل الودائع في كل مكان، ثم إنه حتى الآن على الأقل، نرى تدفقاً للأموال من البنوك الصغيرة على بنوك أكبر تخضع لقواعد وقوانين أكثر صرامة من الجهات الرقابية. قد لا يعجبك هذا الأمر، والأكيد أن المؤسسات المالية الكبيرة غير محبوبة، مهما تكن الأشياء الأخرى التي قد يقولها المرء عنها. ولكن بشكل عام، يبدو أننا نرى النظام المالي يتجه حالياً نحو تقليل المجازفة، وليس زيادتها. 
وهو ما يوصلنا إلى الانتقاد الذي آخذُه على محمل الجد، وإن كنتُ أعتقد أنه خاطئ على الأرجح: إنه الادعاءات بأن إفلاس البنوك سيُضعف الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في التضخم. 
صحيح أن تعثر البنوك دفع المستثمرين إلى إعادة التفكير في المسار المستقبلي لسياسة «الاحتياطي الفيدرالي»: ذلك أن رفع معدل الفائدة في اجتماع «الاحتياطي الفدرالي» المقبل، والذي كان يبدو شبه محسوم، بات يبدو الآن غير مؤكد، حيث أخذت البنوك الآن تحسب حساب إمكانية خفض معدل الفائدة وانخفاض أسعار الفائدة على الأدوات المالية لعامين. وبات بعض العقلاء الذين أتحدثُ إليهم يحذرون الآن من هيمنة مالية، يولي فيها «الاحتياطي الفيدرالي» أولويةً أكبر لحماية قطاع المال والأعمال في «وول ستريت» منها لتحقيق استقرار في التضخم. 
غير أنه بالنظر إلى طريقة رد فعل النظام البنكي على قضية «بنك سيليكون فالي»، هناك أسباب قوية في الواقع لكي يقوم «الاحتياطي الفيدرالي» بالحد من معدلات الفائدة، على الأقل لبعض الوقت. وإذا كان «الاحتياطي الفيدرالي» يحاول تبريد الاقتصاد المحموم، فإن ازدياد حساسية البنوك للخطر وتحول الودائع إلى بنوك تخضع لقوانين أكثر صرامة سيؤديان على الأرجح إلى تبريد الاقتصاد، حتى وإن لم يرفع «الاحتياطي الفيدرالي» معدلات الفائدة. بل إن بعض النشرات الإخبارية المالية باتت تتوقع الآن ركوداً. كما أن توقعات السوق بشأن التضخم تراجعت.
وخلاصة القول إن تداعيات المشاكل البنكية جعلت الوضع الاقتصادي الضبابي أكثر ضبابيةً، ولن نعرف ما إن كان صناّع السياسات قد اتخذوا القرار الصائب إلا بعد مرور بعض الوقت. ولكنني أسمعُ الكثير من الكلام المتشائم والمنذر بالكوارث في الوقت الراهن، كلام يبدو أن لا شيء منه تبرره الوقائعُ المتاحة حتى الآن. 

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.