dhl
dhl

ريتشارد سيما يكتب: احترار الكرة الأرضية والعواقب الصحية

تواصل درجات الحرارة في الصيف تحطيم الأرقام القياسية في جميع أنحاء العالم، لتصل إلى الحدود القصوى لما يمكن للبشر تحمله. صحيح أن جل التركيز ينصب على أن الحرارة الشديدة هي الخطر المباشر على صحة الإنسان، لكن طول أمد الحرارة قد يتسبب في مجموعة من المشكلات الصحية المزمنة. فالتعرض للحرارة لأيام وسنوات قد يرهق القلب والكلى ويعطل النومَ ويرهق صحتنا العقلية. وعلى الرغم من أهمية حماية نفسك من الحرارة، يرتكب بعض الناس خطأَ عدم التأقلم مع الطقس الحار.وترى كريستي إيبي، أستاذة الصحة العالمية في مركز الصحة والبيئة العالمية بجامعة واشنطن، أنه «إذا كان الناس يعيشون في بيئات مكيفة الهواء – بعض الأماكن تفعل ذلك على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع – فلن تتأقلم أجسام الناس أبداً مع درجات الحرارة الأعلى. وستتزايد أهمية هذا لأننا نحاول الاستعداد بشكل أفضل لمستقبل أكثر حرارة». ولفهم سبب خطورة ارتفاع الحرارة لفترة طويلة على صحتنا، من المهم فهم ما يفعله الجسم لمحاولة الدفاع عن درجة حرارته الأساسية.ففي البشر الأصحاء، يؤدي صعود درجة حرارة الجسم خارج نطاق ضيق بين 36.5 و37.5 مئوية تقريباً إلى إلحاق الضرر بالخلايا والأنسجة والأعضاء. وتعتمد قدرتنا على التنظيم الحراري في مواجهة الحرارة بشكل أساسي على نظام القلب والأوعية الدموية والكليتين، ونتيجة لذلك، تؤدي الحرارة المزمنة في الغالب إلى إجهاد هذين النظامين، وأحياناً تصل إلى نقطة الانهيار.وأشار أولي جاي، أستاذ الحرارة والصحة في جامعة سيدني ومدير حاضنة أبحاث الحرارة والصحة، إلى أن الضعف الفسيولوجي هو المسؤول في النهاية عن النتائج الصحية السلبية. وحين يكتشف نظامنا العصبي المركزي الحرارة الشديدة، فإنه ينشِّط أنظمة تنظيم درجة حرارة الجسم. وتتمدد الأوعية الدموية في جلدنا ويتم توجيه الدم الدافئ من قلب الجسم إلى السطح ليبرد. لكن هذا قد يتسبب أيضاً في انخفاض ضغط الدم، مما قد يكون ضاراً لمن يعانون بالفعل من انخفاض ضغط الدم.وللتعويض عن هذا الانخفاض في ضغط الدم، يزيد قلبنا من معدل دوران الدم عن طريق زيادة معدل ضربات القلب، مما يؤدي إلى إجهاد نظام القلب والأوعية الدموية لدينا. وأضاف جاي أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض قلبية محتملة، فإن الإجهاد المتزايد للحرارة «يزيد من احتمال حدوث كارثة في القلب والأوعية الدموية». وترى إيبي التي شاركت مع جاي في كتابة ورقة بحثية عن المخاطر الصحية للطقس الحار في مجلة «ذي لانسيت» أن نحو نصف الوفيات الزائدة في موجات الحر ناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل النوبات القلبية.لكن التعرض طويل الأمد لدرجات الحرارة المرتفعة قد تكون له أيضاً عواقب وخيمة. فالتعرق هو الطريقة الأساسية التي يمكن لجسمنا من خلالها تبريد نفسه. وحين تفرز الغددُ العرقَ، فإنه يتبخر ويبرِّد بشرتَنا، إلا حين تكون الرطوبة عالية جداً بحيث يتعذر تبخر العرق. ويؤدي التعرق إلى الجفاف ما لم يتم تعويض السوائل. وتفاقم الجفاف يضع ضغطاً متزايداً على كليتنا. وبمرور الوقت، قد يؤدي الجفاف وضغط الحرارة لفترات طويلة إلى تلف الكلى وأمراض الكلى المزمنة.وأفاد تحليلٌ نُشر في مجلة «ذي لانسيت بلانتري هيلث» أن 15 بالمئة من أكثر من 21 ألف فرد عملوا في كثير من الأحيان تحت ضغط الحرارة يعانون من أمراض الكلى. ووُجد أن العمال الذين يعملون في ظروف صعبة في أميركا الوسطى وسريلانكا ونيبال يصابون بأمراض الكلى المزمنة في سن مبكرة نسبياً. وقد يؤدي الجفاف إلى تفاقم ضربة الشمس وإجهاد القلب والأوعية الدموية عن طريق التسبب في تقليل التعرق وتقليل حجم الدم الواصل إلى الكلى، وبالتالي زيادة صعوبة عمل القلب. ويؤكد أورلاندو لايتانو، الأستاذ المساعد في علم وظائف الأعضاء وعلم الحركة في جامعة فلوريدا، أن «كثيراً من التأثيرات السلبية للإجهاد الحراري، تقترن بالجفاف». وقد تؤثر الحرارة المستمرة سلباً على دماغنا وصحتنا العقلية أيضاً.وأفادت دراسةٌ نُشرت عام 2021، في دورية جاما سايكتري، أن درجات الحرارة الأعلى ترتبط بارتفاع معدلات زيارات قسم الطوارئ للصحة العقلية. وفي مجموعة بيانات تضم أكثر من 2.2 مليون بالغ أميركي، ارتبطت درجات الحرارة الشديدة بتزايد الدخول للمستشفيات بحالات صحة عقلية معينة، تتضمن اضطرابات تعاطي المخدرات واضطرابات المزاج وإيذاء النفس.وتؤدي الليالي الحارة أيضاً إلى تدهور جودة نومنا، مما يؤثر على جميع جوانب بيولوجيتنا وصحتنا. وقدرت دراسة حديثة أننا نفقد بالفعل ما متوسطه 44 ساعة من النوم كل عام بسبب ارتفاع درجة حرارة العالَم، ومن المحتمل أن نخسر ساعات نوم أكثر في السنوات القادمة.وقلة النوم لها عواقب صحية سلبية كثيرة، تتضمن إضعاف جهاز المناعة ونظام القلب والأوعية الدموية، وزيادة تعرضنا للالتهابات والأمراض المزمنة. كما أن وجود ليالٍ متعددة من الحرارة والرطوبة المرتفعة تزيد من خطر الإصابة بضربة الشمس لأنها لا تمنح أجسامَنا الوقتَ الكافي للتعافي. ووجدت دراسة أخرى أن حرارةَ الليل خطيرةٌ بشكل خاص، والليالي الحارة قد تزيد من خطر الوفاة بنسبة 50 بالمئة. وقدرتُنا على تحمل الحرارة ليست ثابتة ويمكن تحسينها، وفي عملية تعرف باسم التأقلم الحراري، وتستغرق سبعة أيام على الأقل.ويرى لايتانو أنه «مثلما يمكنك تدريب عضلاتك على تحمل وزن أكبر، يمكنك أيضاً تدريب نظام القلب والأوعية الدموية على تحمل مزيد من الحرارة». وقال لايتانو إن أحد الاستجابات الأسرع للتكيف هو زيادة حجم بلازما الدم، مما يزيد من جزء الدم المكون من الماء وقدرتنا على التعامل مع متطلبات القلب المرتفعة. ويؤدي التأقلم أيضاً إلى تسريع وزيادة التعرق. وكلما كان المرء لائقاً بدنياً، زادت قدرته على تحمل الحرارة. وذلك لأن التمرين يسخن عضلات الهيكل العظمي ويحث على التأقلم الحراري الجزئي. وهناك أيضاً دليل على أن أجسامنا تتذكر كيفية التكيف مع الحرارة إذا مارست ذلك من قبل.وتشير الأبحاث إلى أنه حين يتأقلم شخص ما مع الحرارة، فهذا التكيف يتقلص عند إبعاده عن الحرارة. لكن إعادة التكيف مع الحرارة يحدث بشكل أسرع بكثير من التكيف الأولي. وتزيد قدرتُنا على تحمل الحرارة المنخفضة، على مدى فترات زمنية أطول، من قدرتنا على التكيف مع التعرض للحرارة في المستقبل. لكن المعاناة من درجات الحرارة الشديدة والمعاناة من أمراض الحرارة مثل ضربة الشمس قد تسبب تغيرات في النظام الجيني تزيد من احتمالات حدوث مضاعفات صحية في المستقبل.ويرى الباحثون أنه من أجل التأقلم مع الحرارة بأمان، نحتاج إلى زيادة الحرارة أو مستوى التمارين البدنية تدريجياً، والتأكد من عدم المبالغة في ذلك. وذكر إيبي أن إحدى الوسائل تتمثل في «جعل الناس يقضون بعض الوقت في الهواء الطلق كل يوم في نفس الوقت حتى يستطيع المرء التكيف بشكل أكبر مع درجات الحرارة المرتفعة». ويرى لايتانو أنه «يجب أن يبدأ المرء بالتعرض المنخفض من حيث المدة، ثم يقوم بإطالة فترة التعرض». أما إيبي فيقول: «استمتع بالصيف، واستمتع بأيام أطول، واستمتع بدرجات الحرارة الأعلى. لكن عليك أيضاً أن تفهم أن الحرارة تشكل خطراً.. وأنها تقتل وبلا داع».

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.