القاهرة – ايمن على:
حقق مرشح التيار الإصلاحي مسعود بيزشكيان فوزا مذهلاً في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، يعد انتخاب بيزشكيان تعبيرا عن حالة عدم الرضا عن الطريق الذي تسلكه إدارة البلاد في السنوات الأخيرة، اعتبره الإيرانيين بارقة أمل نحو سياسات جديدة عكس سياسات تيار المحافظين الذى كان يحكم من قبل، وربما ينجح في ان يفتح باب الحريات، بل وربما يذهب لما هو أبعد من ذلك ويقوم بفتح قنوات جديدة للتواصل مع الغرب لمناقشة كل السياسات السابقة.
في تقرير نشرته الغارديان البريطانية، بتاريخ 6 يوليو 2024, موضحة نتائج الانتخابات الايرانية، والتى جاءت على النحو التالي: فاز مرشح تيار الاصلاح بيزشكيان بـ 16.384.403 أصوات ليتفوق على منافسه مرشح تيار المحافظين المتشدد سعيد جليلي، الذي حصل على 13.538.179 صوتاً، هذا وقد بلغت نسبة المشاركة بصورة نهائية 49.8% ــ وهي زيادة كبيرة عن نسبة المشاركة المنخفضة القياسية التي بلغت 39% المسجلة في الجولة الأولى، في الجولة الأولى، احتل بيزشكيان المركز الأول بفوزه على ثلاثة منافسين من حزب المحافظين..ومما يزيد من روعة فوز بيزشكيان انه اول اصلاحي يترشح، ويفوز حيث أنه لم يُسمح لأي إصلاحي بالترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2021.
وفي مشهد دراماتيكي كان يُعتقد أن القاعدة الشعبية للتيارات الإصلاحية الإيرانية قد اندثرت منذ فترة طويلة، مع اقتناع العديد من الناخبين بأنه لا فائدة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع ، وأن لا فائدة من وجود أي تيارات معارضة لتيار المحافظين المتشدد، فإن هيئة الإرشاد قد اتخذت كافة القرارات.

ولكن بعد أن تصدر بيزشكيان نتائج الجولة الأولى ــ متحدياً بترشحه هذا مرشح المحافظين الموالى، وجد الإصلاحيون الفرصة قائمة إذا كانت نسبة التصويت مرتفعة في الجولة الثانية ــ عندئذ ازدادت ثقة فريق حملته في قدرته على الفوز إذا شارك المزيد من الناخبين في جولة الإعادة.
ومما زاد من فرص فوزه أيضًا أن أنصار مرشح التيار المحافظ الوسطي محمد باقر قاليباف (رئيس البرلمان)، لن يتحدوا مع التيار المحافظ المتشدد، ولن ينقلوا أصواتهم إلى جليلي المرشح المنافس عن تيار المحافظين اليميني المتشدد، الذي كانت لديهم خلافات أيديولوجية حادة معه، وحث ظريف الممتنعين عن التصويت قائلا: “من لم يشارك في الجولة الأولى، أرسلتم رسالتكم الآن عليكم إكمال رسالتكم بحضوركم التصويت في الجولة الثانية”.
وقال مؤيد بارز آخر لبيزيشكيان، وهو وزير الاتصالات السابق محمد جواد آذري جهرمي: “يجب أن نثبت أن الشعب هو الشعب، وليس أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الشعب”.
ومساء السبت، قبيل إعلان نهاية الوقت المسموح للتصويت، شعر الإصلاحيون بالقلق من الارتفاع المفاجئ في الأصوات المتأخرة التى سجلت في نهاية الوقت، كان ذلك علامة على سعي النظام إلى قلب النتيجة، وكانت هناك تقارير تفيد بأن الأموال الحكومية يتم استخدامها لإرسال رجال الدين إلى القرى الريفية لجمع الاصوات لصالح جليلي.
لكن في وقت متأخر من يوم السبت، سربت القنوات الإخبارية الحكومية أن بيزشكيان فاز، وذلك قبل أن يعلن مقر الانتخابات الإيرانية فوزه رسميًا، مما دفع أنصاره إلى النزول الى شوارع طهران، وبعد حملة انتخابية هادئة في العاصمة، تدفقت جموع أنصاره المحتفلون إلى شوارع طهران للاحتفال بالنصر الذي لم يتوقعه في أحسن الأحوال سوى القليل في الداخل الإيراني.
ولكن مازال بيزشكيان على موعدا مع العقبات، فهناك الانتخابات البرلمانية التي جرت في وقت سابق من هذا العام ، والتي تفوق فيها المحافظون على الإصلاحيين، الا ان الامر الجيد وبالرغم من كثرة مقاعد المحافظين، الا سلطة قاليباف قد ضعفت كرئيس للبرلمان بسبب هزيمته في الانتخابات الرئاسية، الا ان التركيبة السياسية للبرلمان واحدة من العقبات العديدة التي تواجه الرئيس الجديد، لأن البرلمان يتمتع بسلطة عزل الوزراء مما يعيق اداء الحكومة إذا جاءت منفردة من تيار الإصلاحيين المعارض للمحافظين، او من اى ائتلاف يكون التيار المحافظ المتشدد ليس جزءا منه
من هو مسعود بزشكيان ؟

يبلغ مسعود بزشكيان من العمر نحو 70 عاماً، وولد في 29 سبتمبر 1954 في مدينة مهاباد محافظة أذربيجان الغربية من أب تركي وأم كردية.
وكان هو أكبر المرشحين سنا والوحيد بين المرشحين لانتخابات الرئاسة في إيران المنتمي للتيار الإصلاحي.
عمل مسعود بزشكيان، كطبيب جراحة قلب، ووصل لمنصب وزير الصحة خلال الفترة من 2001- 2005 في الحكومة الثانية لمحمد خاتمي.
كما مثل بزشكيان أهالي محافظة أذربيجان الشرقية (شمال غرب) خمس دورات نيابية متوالية في مجلس الشورى الإيراني، وتقلد منصب نائب رئيس البرلمان خلال الفترة من 2016- 2020.
كان بيزشكيان من المدافعين عن السماح للنساء بحرية ارتداء الحجاب، وإنهاء قيود الإنترنت التي تتطلب من السكان استخدام اتصالات افتراضية لتجنب الرقابة الحكومية، وقال بعد فوزه: “الطريق الصعب أمامنا لن يكون سلساً إلا برفقتكم وتعاطفكم وثقتكم وتحت شعار “من أجل إيران”، وعد بيزشكيان بأن يكون صوت من لا صوت لهم، قائلا إنه لا ينبغي الرد على الاحتجاجات بهراوة الشرطة، ولم يؤد قمع احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” في عام 2022 إلا إلى زيادة الشعور بأن طريق التغيير من خلال صناديق الاقتراع مغلق، وكان العديد من كبار الإصلاحيين من الحركة الخضراء وكذلك السجناء السياسيين داخل سجن إيفين قد دعوا إلى مقاطعة الانتخابات.
ورغم أن البعض يعتبره ساذجاً في السياسة العليا، فإن جزءاً كبيراً من حملته كان يدور حول نزاهته الشخصية، فضلاً عن إقصائه عن منصبه الوزاري على مدى العقد الماضي، وصدرت دعوات فورية من أنصاره لإطلاق سراح السجناء السياسيين من السجون، وهو رمز للمطالب المكبوتة التي قد يجد صعوبة في تلبيتها قدم بيزشكيان العديد من الوعود الانتخابية، متعهدا بالتغيير، ولكنه ربما سيدخل حقل ألغام عند محاولته إحداث هذا التغيير، وعلى الرغم من تصريحه إنه مخلص للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، إلا أنه قال أيضًا إنه سيستقيل إذا شعر أنه يتم محاصرته أو إحباطه، وسيدعو بعد ذلك الشعب. للانسحاب من العملية السياسية ومقاطعة الانتخابات.
بيزشكيان والسياسة الخارجية الايرانية
يتعين على الغرب الآن أن يقرر ما إذا كان يجب عليه مساعدة بيزشكيان أو الإبقاء على غطاء العقوبات بسبب التصعيد المستمر لبرنامج إيران النووي، وتقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بمستويات تقترب من مستوى تصنيع الأسلحة و تحتفظ بمخزون كبير بما يكفي لصنع العديد من الأسلحة النووية، لكنها لا تمتلك بعد الرؤوس الحربية أو تكنولوجيا الصواريخ.
كما أنها مازالت تعمل ضد اجندة الغرب حيث انها تزود روسيا بطائرات بدون طيار لاستخدامها في أوكرانيا، ومن الملفت للنظر ان المستشار الثاني للسياسة الخارجية لبيزيشكيان هو السفير السابق في موسكو، مهدي صانعي.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الانتخابات لن تؤدي إلى أي تغيير في النهج الأمريكي تجاه إيران.
وأشار المسؤولون الأميركيون إلى مقاطعة قسم كبير من الناخبين الإيرانيين للانتخابات، وكتبوا: «لم تكن الانتخابات في إيران حرة ونزيهة. ونتيجة لذلك، اختار عدد كبير من الإيرانيين عدم المشاركة على الإطلاق”.
وأضاف البيان: “لا نتوقع أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير جوهري في مسار إيران أو احترام أكبر لحقوق الإنسان للمواطنين، وكما قال المرشحون أنفسهم، فإن سياسة إيران يحددها القائد.
وأخيرا: ربما مجئ مسعود بيزشكيان امرا لم يكن يتوقعه أحد على وجه الارض، الا ان ترتيبات القدر قالت انه رجل المرحلة، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية المبكرة والتي قد نتجت عن وفاة إبراهيم رئيسي، الرئيس الراحل أثناء فترة ولايته الرئاسية في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في مايو الماضي 2024, وكان يُنظر إلى رئيسي على أنه خليفة محتمل للمرشد الأعلى البالغ من العمر 85 عامًا، وقد أدت وفاته إلى حالة من الفوضى الداخلية، إلا أنه تم تدارك الامر، ثم كان ترشح بيزشكيان وتم قبول ترشحه من لجنة اتخاذ القرار من قبل هيئة مكونة من 88 عضوًا، وهي مجلس الخبراء، ثم الفوز برئاسة ايران .
