dhl
dhl

روري ستيوارت يكتب: الانتخابات البريطانية.. ليست انتصاراً للوسط

من السابق لأوانه الاحتفال بنتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية باعتبارها انتصاراً للوسط. فاز حزب «العمال» البريطاني بأكبر أغلبية له منذ تأسيس الحزب قبل أكثر من قرن من الزمان، حيث حصل على 412 مقعداً على الأقل من مقاعد مجلس «العموم» البالغ عددها 650 مقعداً.وقد حقق هذا الانجاز، في عصر الشعبوية والاستقطاب، على أساس برنامج وسطي معتدل. قد تبدو النسخة الجديدة من حزب «العمال» – بقيادة «كير ستارمر»، محامي حقوق الإنسان السابق الذي شغل منصب رئيس هيئة الادعاء الملكية – وكأنها تذكرنا بشكل مطمئن بالإجماع الذي ساد في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن 21، عندما كان التقدميون المعتدلون مثل بيل كلينتون وتوني بلير ملتزمين بالاقتصاد الليبرالي والديمقراطية الليبرالية والنظام العالمي الليبرالي.ولكن من المبكر للغاية أن نحتفل بهذه الانتخابات باعتبارها انتصاراً للوسط. لا توجد علامة واضحة على أن الناخبين البريطانيين أكثر حماساً من الناخبين في أي مكان آخر للسياسة الليبرالية اجتماعياً والمحافظة مالياً التي يمثلها هذا التجسيد لحزب «العمال».كانت هذه الانتخابات في جوهرها بمثابة رفض قاطع للمحافظين. وقد تقلص عدد مقاعدهم إلى 121 مقعداً، مع تبقي مقعدين لم يتم الإعلان عنهما بعد، وهي أسوأ هزيمة في تاريخ حزب «المحافظين» الممتد على مدار 190 عاماً.بإلقاء نظرة سريعة على هذه النتائج سترى صورة فوز ساحق معتدل. ولكن هناك شيئين يجب أن نأخذهما في الاعتبار بشأن فوز حزب العمال. أولاً، كان لدى الناخبين البريطانيين إحساس محدود ببرنامج حزب العمال ويرجع ذلك جزئياً إلى أن حزب العمال، الذي كان متقدماً حتى الآن في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات ومصمماً على تجنب الأخطاء غير المتوقعة، لم يقدم لهم سوى عدد قليل للغاية من السياسات. وثانياً أن النظام الانتخابي البريطاني «نظام الأغلبية النسبية»، والذي يمنح المقاعد البرلمانية، مثل النظام الأميركي، للمرشح الذي يفوز بأكبر عدد من الأصوات في كل سباق على حدة، يكافئ الأحزاب التي تتمتع بقواعد ناخبين مركزة.ويمتلك حزب العمال، الذي حصل على 33.8% من الأصوات الشعبية، 412 مقعداً، في حين فاز حزب الإصلاح اليميني المتطرف، بقاعدته المنتشرة بشكل ضئيل في جميع أنحاء البلاد، بأربعة مقاعد وحصل على نحو 14% من الأصوات. طوال عقد من الزمان على الأقل، بدا العالم وكأنه يتحول من الديمقراطية إلى الرجال الأقوياء، ومن التجارة الحرة إلى الحمائية، ومن التدخل إلى العزلة.إن النظام العالمي الليبرالي في تراجع. وكان الرد الأميركي والأوروبي على أزمة أوكرانيا مثيراً للإعجاب في البداية، لكن العقد تم تحديده بشكل أفضل من خلال الإخفاقات في سوريا، والانسحاب من أفغانستان، والصراع في إسرائيل وغزة، والانقلابات العسكرية التسعة في أفريقيا منذ عام 2020. كانت هناك أمثلة حديثة في بولندا واليونان وإسبانيا (وبدرجة أقل في تركيا والهند) حيث يبتعد الناخبون عن الشعبوية. لكنها حققت تقدماً كبيراً في أماكن أخرى: فاز الشعبويون اليمينيون بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات الإيطالية والهولندية الأخيرة، وتقدموا على الحزب الحاكم في ألمانيا وهم في طريقهم لتحقيق نصر مدو في فرنسا بعد الجولة الأولى من التصويت في البلاد. وتشير استطلاعات الرأي الحالية لترامب إلى أن هذه قد لا تكون ظاهرة أوروبية بحتة.فقد فقدت الطبقات الحاكمة في الغرب مصداقيتها بسبب الإذلال الذي تعرضت له في العراق وأفغانستان، والأزمة المالية في عام 2008، والتصور بأنها غير قادرة على إدارة الهجرة أو تحسين مستويات معيشة الناس العاديين، في حين عملت وسائل الإعلام الاجتماعية على تكثيف الاستقطاب. ويشعر أغلبية الناخبين أن الديمقراطيات الليبرالية لم تعد قادرة على الأداء، ويعتقدون أن الأجيال المقبلة ستكون أسوأ حالاً.لقد أعطى البريطانيون حزب «العمال» الذي ينتمي إليه «ستارمر» فرصة. وقد وعد بتمويل الحكومة من خلال تأمين «أعلى معدل نمو مستدام» في مجموعة السبع الصناعية، ولكن الاحتمالات ضده. وتشعر بريطانيا بالانزعاج من ضعف الإنتاجية، وتدهور الخدمات العامة، وأزمة تكلفة المعيشة، والإسكان الذي لا يمكن تحمل تكاليفه، وتقدم عمر السكان. وقد حد ستارمر من خياراته من خلال استبعاد الاقتراض الإضافي، والزيادات الضريبية، وزيادة الهجرة، والعودة إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. وإذا استاء الناخبون منه ومن هذه الرؤية الوسطية لحزب العمال، فمن المؤكد أن الانتخابات المقبلة ستعيدهم إلى التطرف. ويراهن حزب الإصلاح بالفعل على هذا، مع تعهد فاراج بـ«إعادة تشكيل يمين الوسط، مهما كان معنى ذلك».ويتعين على حزب «العمال» أن يثبت أنه قادر على تحسين حياة الناس وتحويل الخدمات العامة وقريباً وإلا ربما ننظر إلى الانتخابات البريطانية لعام 2024 باعتبارها مجرد توقف مؤقت في الرحلة نحو الاستقطاب وأوهام الشعبوية.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.