التعميق المستمر لتطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا يغير طريقة إنتاج المعرفة ونشرها فحسب، بل يطرح تحديات جديدة أمام نموذج تدريب المواهب أيضاً؛ إذ تتحدى التغييرات في أساليب إنتاج المعرفة التفكير المستقل عند الطلاب، فقد أدى التقدم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى تغيير الطريقة التي يكتسب بها البشر المعرفة ويبتكرونها، كما أدى استخدام هذا الذكاء في أساليب إنتاج المعرفة إلى خفض عتبة اكتساب المعرفة؛ ولكن الاعتماد المفرط على المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي قد يخلق جموداً في طريقة تعلم الطلاب، ويتسبب بفقدانهم تدريجياً القدرة على البحث عن المعلومات، وتصفيتها، ودمجها باستقلالية، وقد أحدث هذا التغيير الجذري تحديات جديدة أمام الطلاب، ولا سيما على مستوى التفكير المستقل.وتتحدى الثورةُ النموذجية اليومَ وظائفَ المدارس ولا سيما نشر المعرفة؛ إذ أحدثت تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تغييرات كبيرة في طريقة انتشارها. وبمرور الوقت تحول نموذج التدريس المزدوج التقليدي «المعلم والطالب» -تدريجيّاً- نموذجاً ثلاثي الأبعاد؛ هو «المعلم والآلة والطالب»، وهو نموذج جديد يُعزِّز فيه المعلمون والآلات والطلاب أدوار بعضهم بعضاً، ويؤثّرون فيها من أجل تعزيز تطوير التعليم الذكي على نحو مشترك.وعن طريق الفهم العميق لمبادئ الذكاء الاصطناعي وقدراته وحدوده، يمكننا أن نفهم دوره في التعليم بعقلانية أكثر، وبما يُجنِّبنا السعي المبالغ فيه من أجل تحقيق حداثة التكنولوجيا وتجاهل مدى ملاءمتها للأهداف التعليمية؛ فقبل تطبيق تقنيات تعليم الذكاء الاصطناعي الجديدة، ينبغي إنشاء آلية لمراجعة تقييم مدى ملاءمتها وفاعليتها ومخاطرها المحتملة؛ لضمان تقديم التقنيات التي أثبتت جدواها، والمتوافقة مع الأهداف التعليمية فقط. وتؤكد التكنولوجيا عموماً أهمية الدمج المناسب للذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية؛ ما يجعلها أداة قوية لتحسين فاعلية التدريس، ومساعدة المعلمين في عملهم، وتعزيز تعلم الطلاب، بدلاً من استبدال دور المعلمين أو أساليب التعليم التقليدية كليّاً؛ ولذلك لا بد من توضيح حدود تطبيق التكنولوجيا، ونطاق تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم. وينبغي على المؤسسات التعليمية أن تعمل مع الخبراء الفنيين، وخبراء التعليم؛ لصوغ معايير لتوظيف الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، ويجب أن توضح هذه المعايير والمبادئ التوجيهية تقنيات الذكاء الاصطناعي القابلة للتطبيق، وتلك التي يُحتمَل ألا تناسب الأوساط التعليمية، إلى جانب توضيح كيفية دمج هذا الذكاء بطريقة معقولة في أنشطة التدريس، وسيمكّننا ذلك كله من تجنب الإفراط في استخدام التكنولوجيا، والاعتماد المفرط عليها بطريقة قد تؤثر في التفكير المستقل والابتكار، وهما عنصران مهمان في عملية التدريس.
