أفادت التقارير الإخبارية بإصابة أكثر من 3700 طفل دون سن 18 عاماً في غزة، أُبلغ عن إصابتهم منذ انتهاء وقف إطلاق النار الأخير، بجانب مقتل أكثر من 1300 طفل آخرين في أعمال عدائية خلال الفترة نفسها. وعلى مدار ما يقرب من 20 شهراً من الحرب، أُبلغ عن مقتل ما يقرب من 17 ألف طفل وإصابة أكثر من 34 ألف آخرين، أي ما يعادل طفلاً واحداً من كل 20 طفلاً في غزة، مما يجعلها أعنف الصراعات للأطفال في التاريخ الحديث. ومع تزايد خطر المجاعة يوماً بعد يوم، من المؤكد أن معاناة أطفال غزة ستزداد سوءاً. ووفقاً لأحدث التحليلات من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة تستخدمها اليونيسف وشركاؤها لتقييم الأمن الغذائي وسوء التغذية، يواجه سكان غزة جميعهم حالياً حالة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يقف ما يقرب من نصف مليون شخص على حافة المجاعة. بينما تشير التقارير إلى أن أكثر من 71 ألف طفل و17 ألف أُم سيعانون من سوء تغذية حاد، أي فقدان سريع في الوزن وانخفاض نسبة الوزن إلى الطول، خلال الأشهر العشرة القادمة دون حصولهم على مساعدات إنسانية وعلاج كافيين.ورغم بذل اليونيسف وشركاؤها قصارى جهدهم لمعالجة هذا الوضع، إلا أن الحصار الإسرائيلي المفروض على المساعدات منذ شهرين، والذي رُفع الآن بشكل غير متكافئ، جعل مخزون اليونيسيف في غزة محدود للغاية. وما لم يتم استعادة سبل الوصول الآمن والمستدام إلى غزة والسماح لنا بتوسيع نطاق خدماتنا، سيعاني المزيد من الأطفال.وشاهد العالم آلاف الفلسطينيين الجائعين في رفح يوم الثلاثاء الماضي وهم يتدافعون للحصول على الطعام من نظام جديد تدعمه إسرائيل لتوصيل المساعدات، يتجاوز الأمم المتحدة كمورد رئيسي للمساعدات في القطاع. وكما أوضحت المشاهد الفوضوية، فبدلاً من زيادة الوصول إلى الإمدادات المنقذة للحياة، فإن خطة توزيع المساعدات الجديدة، التي تُيسّرها منظمة تُدعى مؤسسة غزة الإنسانية، تُهدد بتفاقم الوضع.وقبل استئناف الأعمال العدائية، كانت الأمم المتحدة تُدير نظاماً واسعاً وفعالاً لتوصيل المساعدات داخل غزة، فخلال وقف إطلاق النار الأخير، كنا نُقدم مساعدات كاللقاحات والأدوية الأساسية، وخدمات التغذية المنقذة للحياة، والمياه النظيفة من خلال أكثر من 400 نقطة توزيع تشمل مواقع قريبة من ملاجئ العائلات النازحة.بل قامت اليونيسف وشركاؤها بتوصيل المساعدات إلى أبواب المنازل لتصل مباشرةً إلى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والنساء الحوامل في أماكن لجوئهم.إلا أنه تم تهميش هذا النظام الشامل وتقلصت عمليات اليونيسيف، حيث تشير التقارير إلى أن «مؤسسة غزة الإنسانية» تحول المساعدات عبر عدد محدود من نقاط التوزيع في جنوب غزة، بسبب الحراسة الأمنية من قبل متعاقدين أميركيين خاصين، وجنود إسرائيليين خارج محيط الموقع، مما يجبر المدنيين على السفر لمسافات طويلة عن منازلهم، ويعرضهم لأعمال العنف.ووفقاً للسلطات الإسرائيلية، يتم تزويد نقاط التوزيع تلك بـ 60 شاحنة يومياً، وهو ما يعادل عُشر الكمية التي كانت تدخل غزة خلال وقف إطلاق النار الأخير. وتوزع «صناديق عائلية» من المساعدات الغذائية تهدف إلى تلبية الحد الأدنى من احتياجات البقاء. إلا أن فريق اليونيسيف الميداني يفيد بأن هذه الصناديق غير كافية لضمان سلامة الأطفال، ولا يمكن لتلك الخطة أن تدعم سكاناً يبلغ عددهم 2.1 مليون نسمة، بينهم أكثر من مليون طفل.كما نرى أن هذه الآلية الجديدة تتعارض أيضاً مع المبادئ الإنسانية، التي تتضمن الحياد والنزاهة والاستقلالية، بل وتفشل في الوفاء بالتزامات إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي الذي يُلزم أطراف النزاع بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتسهيلها بسرعة وأمان ودون عوائق. علاوة على ذلك، أثيرت مخاوف من إمكانية اعتبار هذه المواقع أهدافاً عسكرية، لأن النظام الجديد يتضمن وجوداً أمنياً في مواقع التوزيع، وهذا قد يُعرّض العاملين في المجال الإنساني والمدنيين الذين يلتمسون المساعدة في تلك المواقع لخطر الهجمات.وتدافع إسرائيل عن طرق التوزيع الجديدة كوسيلة لمنع حركة حماس من سرقة الإمدادات، إلا أن الأمم المتحدة وشركاءها يعرفون بالفعل كيفية فحص المساعدات الإنسانية وتخليصها وتفريغها وتسليمها، دون تحويل مسارها، ودون تأخير، وبطريقة تحفظ الكرامة. يمكن تتبع مساعداتنا من نقطة التسجيل إلى نقطة التسليم. بالتعاون مع شركائنا، وبالتعاون مع شركائنا، نرافق إمداداتنا حتى النهاية.يصل طعامنا إلى الطفل الذي يعاني من سوء التغذية، ولقاحاتنا تُحقن في أذرع الأطفال مباشرة، ونتحلى بالشفافية بشأن مصادر تمويل برامج المساعدات الخاصة بنا.ما نحتاجه هو أن يُسمح لليونيسف وشركائها في المجال الإنساني بأداء عملهم، لا سيما بعد أن أثبتنا أن الضروريات مثل الأدوية، واللقاحات، والمياه، والغذاء، والتغذية للأطفال الرضّع يمكن أن تصل إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها، أينما كانوا، عندما يتوفر لنا وصول آمن وغير مقيّد. نحن لا نطلب المستحيل، بل نطالب بمجرد احترام وتطبيق القانون الإنساني الدولي، وبالعودة إلى آلية إيصال المساعدات التي تقودها الأمم المتحدة، مع ضمان وصول إنساني آمن ومستدام عبر جميع المعابر المتاحة، وبالإفراج عن جميع الرهائن المتبقين، وأن تتوصل حماس وإسرائيل إلى وقف إطلاق نار دائم.إذا اتُخذت هذه الخطوات، يمكننا أن نبدأ في إنارة طريق للخروج من ظلمة الحرب لجميع الأطفال المتضررين بهذه الحرب، سواء في غزة أو إسرائيل. وأناشد جميع الأطراف ومن لديهم تأثير عليهم السماح لنا ولشركائنا في المجال الإنساني بمواصلة عملنا، إذ أن البديل المتمثل في عسكرة المساعدات الإنسانية، سوف يُعرّض أطفال غزة لمزيد من المعاناة والموت.
