اصطدمت آلة الرسوم الجمركية التي طرحها الرئيس دونالد ترامب بجدار دستوري.ففي حكم بالإجماع، يمثل مفاجأةً للبيت الأبيض وانتصاراً للأسواق ولمتسوقي ولمارت، قضت محكمة التجارة الدولية الأميركية بأن نظام الرسوم الجمركية الشامل الذي فرضته إدارة ترامب يُعد «استيلاءً غير دستوري على السلطة».وحكمت هيئة المحكمة المكوّنة من ثلاثة قضاة، بينهم أحدُ المعينين من قبل ترامب، بأن قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA) لعام 1977، والذي استخدمه ترامب لفرض الرسوم الإضافية، لا يمنح الرئيسَ صلاحيات مطلقة لإضافة رسوم جمركية على جميع دول العالم تقريباً. ويبطل قرارُ المحكمة الرسومَ الجمركية التي أعلنها ترامب في 2 أبريل، والذي أطلق عليها «يوم التحرير»، إلى جانب الرسوم المتعلقة بالفنتانيل المفروضة على كندا والمكسيك والصين. ومع ذلك، فإن الحكم يترك لترامب خيارات لمواصلة الحرب التجارية، بالإضافة إلى وسيلة سياسية تحفظ ماء وجهه للتراجع عنها.لم تتردد المحكمة في كلماتها: هذه الرسوم «تتجاوز أي صلاحية جمركية مُفوّضة للرئيس بموجب قانون IEEPA» وتمثل «تنازلاً غير ملائم عن السلطة التشريعية». وقد أصدرت المحكمةُ أمراً قضائياً دائماً بوقف التنفيذ فوراً. لكن محكمةَ الاستئناف أيدت الإدارةَ عبر السماح مؤقتاً باستمرار فرض الرسوم أثناء نظرها في القضية. لكن المنطق القانوني لمحكمة التجارة راسخ ويستند إلى مبادئ دستورية أساسية تنص على أن الكونجرس، وليس الرئيس، هو مَن يتحكم في السياسة التجارية. وأشارت المحكمة إلى أن فرض ترامب لهذه الرسوم «يستجيب لاختلال في التوازن التجاري»، وبالتالي فإنه يندرج ضمن السلطات الأضيق الخاصة بتوازن المدفوعات والمنصوص عليها في البند 122 من قانون التجارة لعام 1974. وهذا تعبير قانوني بيروقراطي معناه أن ترامب كان يستخدم سلطات الطوارئ لمعالجة عجز تجاري روتيني، وهو ما صُمم البند 122 لمعالجته. ويسمح البند 122 للرئيس بفرض رسوم جمركية تصل 15% لمدة 150 يوماً، لمعالجة «عجز كبير وخطير في ميزان المدفوعات الأميركي».لذا عندما أشارت المحكمة إلى أن إعلان ترامب بشأن الرسوم «يستجيب لاختلال في التوازن التجاري» و«بالتالي يقع ضمن السلطات الأضيق وغير الطارئة في البند 122»، فقد كانت تقول فعلياً: إذا كنتَ تريد معالجةَ العجز التجاري، فاستعمل القانون الذي كتبه الكونجرس لهذا الغرض بقيوده المضمَّنة.ويجبر هذا الحكمُ الإدارةَ على العودة إلى استخدام السلطات القانونية الأبطأ والأكثر تقليديةً مثل البند 122 والبند 232، واللتين تتضمنان حواجزَ إجرائية فعلية.وبموجب قانون IEEPA، كان بإمكان ترامب أن يعلن حالة طوارئ تجارية لأسباب عشوائية، ويفرض رسوماً بنسبة 50% في نفس اليوم. وينص هذا الحكم على أن هذا الإجراء كان دائماً خارج نطاق القانون. وإذا أراد ترامب فرض سياسة حمائية على المستهلك الأميركي، لأسباب تتعلق بالأمن القومي، فعليه استخدام البند 232 الذي يختص فعلاً بالأمن القومي، ويتطلب ذلك تحقيقاتٍ مطوّلةً، وإشعاراتٍ عامة، وفتراتِ تعليق، ومراجعاتٍ من وزارة التجارة تستغرق شهوراً. لم يعد بإمكانه فرض رسوم كما يشاء، على الأقل ليس دون تحدٍ مباشر لأمر قضائي.وأمام إدارة ترامب الآن ثلاثة خيارات: تحدي المحكمة، أو التراجع، أو استغلال الحكم سياسياً. الخيار الأول هو أن يتجاهل الحكمَ، ويستمر في فرض الرسوم الجمركية، متحدياً أي جهة لوقفه. سيكون التنفيذ بسيطاً، لكنه يحمل تداعياتٍ دستوريةً ضخمة: يواصل موظفو الجمارك وحماية الحدود جمع الرسوم، بناءً على أوامر البيت الأبيض بدلاً من أوامر المحكمة.ستصوّر الإدارةُ هذا التصرفَ على أنه دفاعٌ عن «الأمن القومي» ضد «قضاة ناشطين». لكن هذا الخيار قد يفجر أزمة دستورية فورية. ستتقدم الشركات المتضررة بطلبات اعتراض، مما قد يؤدي إلى محاولة مارشالات فيدراليين فرض الامتثال. وهؤلاء المارشالات يتبعون لوزارة العدل التابعة لترامب. سيعتمد النظام برمته على ما إذا كان موظفو الخدمة المدنية يختارون المعايير المؤسسية أم الأوامر الرئاسية. سيُحوّل هذا سياسة التجارة إلى اختبار لمعرفة ما إذا كانت سيادة القانون لا تزال تُقيّد السلطة الرئاسية.وفي حين أن قاعدة ترامب قد تُرحّب بهذا التحدي، فإنه سيُحطّم ما تبقى من قيود مؤسسية في الحكم الأميركي. أما الخيار الثاني فسيئ من ناحية السياسة التجارية لكنه يحمي من الوقوع في أزمة دستورية: التوجه إلى الكونجرس، أو المحكمة العليا، أو استخدام البندين 232/122. في هذا السيناريو، ستستأنف الإدارة الحكمَ أمام المحكمة الفيدرالية للاستئناف، وإذا لم تنجح، فقد تلجأ إلى المحكمة العليا، آملةً في حكم لصالحها.ويمكن للبيت الأبيض أيضاً مطالبة الكونجرس بسن تشريع يمنح الرئيسَ صلاحياتٍ جمركيةً واسعةً بشكل صريح. ويمكنه كذلك الالتفاف على السلطتين التشريعية والقضائية، واللجوء إلى الأدوات القانونية الأبطأ، مثل تحقيقات الأمن القومي بموجب البند 232، أو إجراءات توازن المدفوعات بموجب البند 122، أو قضايا الإغراق التقليدية كأساس للرسوم الجمركية. وأخيراً، هناك خيار ثالث، قد يروق لتوجهات ترامب السياسية: أن يؤدي دور الضحية بينما يحتفل سراً بنتيجة الحكم. ويمكنه أن يهاجم «القضاة النشطاء» الذين يعرقلون إحياءه للصناعة، مما يمنح قاعدتَه الخطابَ الناري الذي تريده، بينما يرحب سراً بحكم أنقذه من فوضى اقتصادية. يمكنه أن يلوم المحاكم على فشل استعادة مجد الحزام الصناعي، بينما يتجنب الاضطرابَ في الأسواق وارتفاع الأسعار الذي كان سيصاحب هجومَه الجمركي. إنه السيناريو المثالي حيث يحتفظ ترامب بعلامته السياسية الحمائية دون أن يتحمل عواقبها الاقتصادية.وفي الأثناء، تنتعش الأسواق، وتظل معدلات التضخم تحت السيطرة، ويمكنه التركيز على أولويات أخرى بينما يتظاهر بأن المحاكم سرقت من أميركا العظمة التي كان يحاول استعادتها. لأجل اقتصادنا، دعونا نأمل أن يختار الخيار الثالث.
