dhl
dhl

مايكل جيروسو يكتب: انكماش السكان قادم.. لكنه لن ينقذ العالم

سمعنا جميعاً أن الاكتظاظ السكاني أصبح يمثل أزمة. وفي عام 2017، حذّر مقدم البرامج العلمية بيل ناي من «مشكلة زيادة السكان» التي يعاني منها كوكبنا، وفي العقد نفسه، قال المذيع والمؤرخ ديفيد أتينبورو إن البشر يُعتبرون «وباءً على الأرض».وتُدرج منظمة «مشروع دروداون»، وهي منظمة بيئية غير ربحية، تباطؤ النمو السكاني ضمن أهم حلولها المناخية. واليوم، تنخفض معدلات الخصوبة في كل مكان. ففي معظم دول العالم، أصبح معدل المواليد أدنى من المتوسط اللازم لتحقيق استقرار سكاني، وهو طفلين لكل شخصين بالغين.ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، سيبدأ عدد سكان العالم في الانخفاض بحلول ثمانينيات القرن الحالي. وقد يحدث التغير بسرعة، فعدد السكان قد يتناقص بمقدار الثلثين كل قرن، وهو ما سيحدث في حال أنجب كل شخصين بالغين 1.5 طفل فقط في المتوسط. قد يبدو التناقص السكاني أمراً مرحباً به، نظراً لأن البشر هم من تسببوا في المشاكل البيئية الحالية، ومن الصواب إعطاء الأولوية لتحديات تغير المناخ والفقر العالمي وعدم المساواة. وقد عملنا في مسيرتنا المهنية لإزالة الكربون بشكل جذري، وحرية الإنجاب، والمساواة بين الطبقات الاجتماعية وبين الجنسين، وتحسين الصحة العامة والرعاية الصحية. إلا أن انخفاض معدلات المواليد ليس هو الحل لمشاكل عالمنا، حيث تتطلب مواجهة تغير المناخ أن يعيش مليارات البشر بطريقة مختلفة، لكنها لا تعني ألا يولدوا في المستقبل.وخلال العقود الماضية، تحقق تقدم مهم في الأولويات البيئية مثل تلوث الهواء بالجسيمات، واستنفاد الأوزون الستراتوسفيري، والأمطار الحمضية. وفي كل حالة، جاء التقدم من إنهاء أو تعديل النشاط التدميري في تصرفات البشر، لا من إنهاء وجود البشر أنفسهم. ورغم أن مخاوف الزيادة السكانية لا تزال قائمة في النقاشات العامة، فإن معظم قادة البيئة قد تجاوزوا فكرة أن «التحكم في عدد السكان» هو الحل الأمثل.قد يقول البعض، إن تقليل عدد السكان قد يساعد في مواجهة تحدٍ ضخم مثل تغير المناخ، إلا أن المشكلة هي أن عدد سكان العالم يشبه سفينة ضخمة، بطيئة الدوران. تخيل أنه في عام 2030، أقنعت أصوات تدعو للانقراض الطوعي للبشر الجميع بالامتناع عن الإنجاب لمدة جيل كامل، أي لا أطفال لمدة 20 سنة. ماذا سيكون تأثير ذلك على بصمة الكربون البشرية؟الجواب هو أقل مما قد نتوقع، وأقل بكثير مما نحتاج، حيث سيكون عدد سكان العالم في 2050 أقل من عددهم اليوم لكن بنسبة تقارب 14% فحسب. وإذا كان هذا هو كل ما نخطط له لخفض الانبعاثات، مع تجميد كل التقدم في السياسات والتكنولوجيا، والتركيز فقط على ما يمكن أن تحدثه التغيرات السكانية، فستكون الانبعاثات في 2050 أقل بنسبة 14% فقط أيضاً.ويعتبر ذلك فشلاً، وأبطأ من وتيرة خفض الانبعاثات للفرد والتي تحققت فعلياً في أوروبا والولايات المتحدة خلال الـ20 سنة الماضية. كما أن أي تغير حقيقي في معدلات الولادة سيكون له تأثير أقل بكثير. نحن لا نحارب التلوث فحسب، بل نسابق الزمن. ولا يتعلق القلق من الزيادة السكانية بالبيئة فقط. فقد حذّر المتشائمون من الزيادة السكانية مثل توماس روبرت مالثوس في القرن الـ18 وحذّر إيرليش في القرن الـ20 من المجاعة والندرة. ولكن يتوفر في كل قارة حالياً المزيد من الغذاء الأفضل جودة لكل فرد مقارنة بعصر كان فيه عدد البشر نصف ما هو عليه اليوم. وفي كل بلد، زاد متوسط العمر المتوقع مقارنة بما كان عليه قبل 50 عاماً.من بين كل أربعة أطفال كانوا سيموتون آنذاك، يعيش ثلاثة الآن. وانخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع من ملياري شخص في 1990 إلى أقل من 700 مليون اليوم. وليس من قبيل الصدفة أن العالم أصبح أكثر ازدهاراً مع تزايد سكانه، إذ لم يأتِ التقدم التكنولوجي والاجتماعي وتحسين جودة الحياة من تلقاء نفسها.أصبحنا نعرف أكثر مما عرفه الذين عاشوا قبل مئتي عام، لأن عقولاً أكثر عملت قبلنا وبجانبنا، واكتشفت المعرفة وصقلتها وشاركتها. هذه ليست حجة لصالح النمو السكاني المستمر، بل هي حجة تقدمية لتجنب تناقص السكان وتحقيق الاستقرار السكاني، مع احترام البيئة وكل ما هو مهم آخر. لا أحد يعرف حتى الآن كيفية تجنب انخفاض عدد السكان، لا الباحثون، ولا خبراء السياسات، ولا السياسيون. لا تزال هذه القضية حديثة العهد. وجربت الحكومات الإعفاءات الضريبية، وسياسات رعاية الأطفال، وإجازات الوالدين المدفوعة. لكن لم ترجع معدلات المواليد إلى مستوى يُحقق استقرار السكان.ومع ذلك، يُمكن إحداث تغيير. لا أحد يولد وآماله وأحلامه في الحياة الأسرية محفورة في أعماقه. وقد يرغب النساء والرجال، بعد عقود من الآن، في شيء مختلف عما يريده الناس اليوم، إذا نشأوا في مجتمعاتٍ تُسهل تربية الأطفال وتُجعلها أكثر عدلاً، وتُسهل دمجها مع تطلعات أخرى لحياة كريمة.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.