دائما ما تعكس توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، أهدافًا اقتصادية، وهذا ما يبدو واضحًا في علاقتها بتايوان وصناعة أشباه الموصلات.
مصنع “رقائق” في أريزونا
من جانبه، قال موريس تشانج مؤسس شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات إن نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس رحبت بقرار الشركة بفتح مصنع ثان في ولاية أريزونا وأكدت عزم حكومتها على مساعدة تايوان.
ونقلت اليوم الأحد وكالة بلومبرج للأنباء عن تشانج، الذي كان يتحدث أمس السبت كمبعوث خاص لتايوان في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في بانكوك، قوله إنه أبلغ هاريس بدعوة وزير التجارة الأمريكي لحضور حفل لإنشاء المصنع الذي تبلغ تكلفته 12 مليار دولار الشهر المقبل.
وأوضح تشانج أن تكلفة تصنيع رقائق في اريزونا ربما تكون أعلى بما لا يقل عن 50% عن تايوان، إلا أن هذا لم يمنع الشركة من نقل المزيد من إنتاجها إلى الولايات المتحدة.
وقد بدأت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، والتي تحتفظ بمعظم انتاجها في تايوان، في تنويع أماكن الإنتاج خلال العام الماضي للمساعدة في تلبية الطلب في دول تسعى إلى تعزيز إنتاج أشباه الموصلات.
مساعي تحييد الصين
ومع تتبع مسار العلاقات الأمريكية التايوانية، نلاحظ أن واشنطن اقترحت مؤخرًا أن تتوقف العاصمة تايبيه عن إمداد الصين بأشباه الموصلات المتقدمة، وفقا لالتزامات تحالف Chip 4، الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. هذا يعني تقليص فرص انتعاش وتمدد الصناعة الأسرع نموًا في الجزيرة. فهي على مدى السنوات العشر الماضية، تمثل 60% من الصناعة التحويلية في تايوان. ومن المهم معرفة أن نمو الصناعة وقطاع الرقائق الالكترونية بشكل خاص يعتمد على السوق الصينية.
كما أن كوريا الجنوبية في القارب نفسه. فالعام الماضي، شكلت مبيعاتها من الرقائق إلى الصين حوالي 25% من إجمالي الصادرات، وحوالي 15% إلى الولايات المتحدة. لهذا السبب، تتأخر سيئول في التقيد بأوامر واشنطن، على الرغم من أنها عضو في تحالف Chip 4. بالطبع، إذا تم تنفيذ الأوامر، ستصبح الولايات المتحدة الشريك الأكثر أهمية لكوريا الجنوبية وتايوان في مجال أشباه الموصلات. وسوف يساعد ذلك في تنفيذ خطة بايدن لإعادة بناء صناعة التكنولوجيا الفائقة في أمريكا.
وفي الصدد، قال الأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد، أليكسي بورتانسكي: “قررت الولايات المتحدة الآن تطوير إنتاج الرقائق الدقيقة لديها بحدة. الحقيقة هي أن الشركات الأمريكية الرائدة التي تنتج الرقائق تقع في تايوان. وهي تعمل بشكل وثيق مع الشركات التايوانية. أي أنهم يحصلون على منتجات وسيطة من هناك ثم يكملون إنتاجها بأنفسهم”.
ووفقا لبوليانسكي، فإن العالم بأسره يدرك أن تايوان هي الرائدة في مجال الرقائق. وقال: “أظن أن الصين تريد إعادة توحيد تايوان مع البر الرئيس، ليس فقط لأن الحزب يريد ذلك، وربما الشعب”.
حرب الرقائق
لقد أصبحت الرقائق النفط الثمين الجديد والمصدر النادر الأكثر حيوية الذي يعتمد عليه العالم الحديث، والمعركة من أجله بدأت منذ عقد من الزمان، لكن الصراع فيها يحتدم حاليا بين طرفين لا ثالث لهما، هما الولايات المتحدة والصين، وتلعب تايوان دورا محوريا في هذا الصراع، بل تكاد تكون هي أساسه.
في الوقت الحالي، فإن القوى العسكرية والاقتصادية والجيوسياسية مبنية على أساس رقائق الحاسوب، ونظريا فإن كل شيء ابتداء من الهواتف الذكية وأفران المايكروويف إلى سوق الأسهم والسيارات وحتى الصواريخ والطائرات، كلها تعمل بالرقائق.
وإلى وقت قريب، كانت أمريكا تصمم وتصنع أسرع الرقائق، وحافظت على ريادتها باعتبارها القوة العظمى رقم 1. لكنها بدأت تتراجع، ويقوضها بذلك منافسون في تايوان وكوريا وأوروبا، وقبل كل أولئك الصين.
لقد تركت أمريكا المكونات الرئيسية لعملية بناء الرقائق تفلت من قبضتها، مما أسهم ليس فقط في نقص الرقائق في جميع أنحاء العالم، ولكن أيضا في حرب باردة جديدة مع خصم من القوى العظمى التي تعمل جاهدة لسد الفجوة.
وربما يكون التحكم في تصنيع الرقائق في القرن الـ21 بمثابة التحكم في إمدادات النفط في القرن الـ20. فيمكن للدولة التي تسيطر على هذا التصنيع أن تخنق القوة العسكرية والاقتصادية للدول الأخرى.
وحاليا، فإن تايوان تمثل نحو 92% من الإنتاج العالمي لصناعة أشباه الموصلات بدقة أقل من 10 نانومترات، مما يجعلها المزود الرئيسي للغالبية العظمى من الرقائق التي تشغل أكثر الأجهزة تقدما في العالم، بدءا من هواتف “آيفون” (iPhone) لشركة “آبل” (Apple) وحتى الطائرات المقاتلة “إف-35” (F-35)، وتعتبر شركة “تي إس إم سي” الأولى في العالم بهذا المجال.
وتوجد الرقائق التي تصنعها شركة “تي إس إم سي” في كل شيء تقريبا مثل الهواتف الذكية، ومنصات الحوسبة عالية الأداء، والحواسيب المكتبية واللوحية، والخوادم، ومنصات الألعاب، والأجهزة المتصلة بالإنترنت مثل الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، والإلكترونيات الاستهلاكية الرقمية، والسيارات، وتقريبا كل أنظمة الأسلحة التي بنيت في القرن الـ21. وحوالي 60% من الرقائق التي تصنعها شركة “تي إس إم سي” هي لشركات أمريكية. لذلك؛ تعتبر تايوان حيوية جدا بالنسبة للولايات المتحدة كما هي للصين، فالدولة التي تتحكم في الرقائق المتقدمة ستتحكم في مستقبل التكنولوجيا. وتعد مسابك تصنيع الرقائق التايوانية هي الأفضل في العالم.
إن إعادة التوحيد الناجحة بين البر الرئيسي وتايوان من شأنها أن تمنح الصين احتكارا فعليا لأكثر صناعات مسابك الرقائق تقدما، لكن في المقابل فإن خسارة “تي إس إم سي” ستجعل الولايات المتحدة تتدافع للعثور على مصادر بديلة، مثل “إنتل أو سامسونج”، لكن التحول والتعافي سيستغرق سنوات ومعها عشرات المليارات من الدولارات. في غضون ذلك، سيكون للولايات المتحدة مكانة من الدرجة الثانية في مجال التكنولوجيا.
واليوم، تخطط شركة «أبل» للبدء في الحصول على رقائق إلكترونية لأجهزتها من مصنع قيد الإنشاء في ولاية أريزونا، ما يمثل خطوة رئيسية نحو تقليل اعتماد الشركة على الإنتاج الآسيوي.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، تيم كوك، خلال اجتماع داخلي في ألمانيا مع موظفي الهندسة والتجزئة المحليين، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إن «أبل» قد توسع أيضا إمداداتها من الرقائق من المصانع في أوروبا، وفقا لما أوردته وكالة بلومبرج نيوز.
وأضاف كوك: «لقد اتخذنا بالفعل قرارا بالشراء من مصنع في ولاية أريزونا سيبدأ في عام 2024، لذلك أمامنا حوالي عامين قبل أن يبدأ ذلك المصنع، وربما أقل قليلا»، متابعا: «أما في أوروبا، فأنا متأكد من أننا سنشتري أيضاً من أوروبا عندما تصبح الخطط هناك أكثر وضوحاً».
ومن المرجح أن كوك يشير إلى مصنع في أريزونا الذي ستديره شركة «تايوان سيمي كوندوكتور مانوفاكتشورينج» المعروفة اختصارا باسم «تي إس إم سي TSMC»، وهي الشريك الحصري لشركة أبل في تصنيع الرقائق.
ومن المقرر افتتاح مصنع أريزونا المشار إليه في عام 2024، كما تتطلع «تي إس إم سي» بالفعل إلى منشأة أمريكية ثانية، كجزء من دفعة أوسع لزيادة إنتاج الرقائق في البلاد.