dhl
dhl

أنتون ياغر يكتب: بلجيكا نموذج للحاضر الأوروبي

بلجيكا تمثّل تذكيراً بأن هناك وسائل حماية قليلة ضد الاتجاهات التي تبتلي الدول الأوروبية.. والازدهار الذي شهدته البلاد بعد الحرب العالمية الثانية يتذكره الناس الآن كذكرى فضفاضة بعيدةفي خطاب ألقاه على مجموعة من رجال الأعمال البلجيكيين هذا العام، حذّر باراك أوباما من مخاطر الذكاء الاصطناعي وتغيّر المناخ والصراعات الجيوسياسية، دون التطرق للقضايا المحلية الأقرب: فبلجيكا مقبلة على سنة انتخابية، وعاصمتها بروكسل خرجت لتوها من سنة الصدمات الجيوسياسية.. إلخ، لكن أوباما لم ينجر إلى قضايا السياسة الوطنية. فالسياسة في هذا البلد معقدة جداً. وفي 9 يونيو الجاري سيدلي البلجيكيون بأصواتهم في انتخابات البرلمانَين، الوطني والأوروبي. ورغم تفردها، تحكي بلجيكا قصة أوروبية بامتياز؛ فعلى خلفية تعثر الخدمات العامة، وعدم استقرار أسواق العمل، وتقلص الأحزاب التقليدية، والانقسامات الإقليمية المستعصية، يستعد اليمين المتشدد لتسلّم السلطة.وبوضوح تام، تُظهر بلجيكا ما أضحت عليه أوروبا في القرن الـ21. وفي هذا الإطار الأوروبي، تُظهر السياسة البلجيكية سماتها الخاصة: فهناك استياء بشكل خاص في منطقة فلاندرز الناطقة بالهولندية شمال البلاد، حيث يُتوقع أن يفوز حزب اليمين المتشدد «فلامز بيلانغ» الذي بدأ يستغل التراجع البطيء للأحزاب الكبيرة. أما في الجنوب الناطق بالفرنسية، فلطالما بدت والونيا أرضاً خصبةً للشعبوية اليمينية، لكن أي منافس يميني متطرف لم يتمكن من الصعود، كما أن «الحزب الاشتراكي الوالوني» استطاع الحفاظ على السلطة، وإن ارتخت قبضته بسبب وجود منافسين أقوياء على اليسار وعلى اليمين. وهناك بروكسل، حيث مقر الحكومة الإقليمية والحكومة الوطنية.وسياسياً، يمكن القول، إن الصعوبات لا تكمن في تقدم اليمين بقدر ما تكمن في تعثر الأحزاب الأخرى. فالمالية العامة الخاضعة لإشراف «الحزب الاشتراكي» أساساً، تعاني فوضى ملحوظةً. ولهذا تأجل مشروع خط المترو المقرر بين الشمال والجنوب منذ عقد ونصف العقد. هذه المشاكلات قد تفيد «الحركة الإصلاحية» الليبرالية، إلى جانب «حزب العمال» اليساري وحزب «البيئيين»، رغم أن قليلين يبدون آمالاً كثيرة في تحسن الأمور. والواقع أن بلجيكا كانت دائماً منطقةَ عبور للقوى الكبرى، حتى عندما كانت قوتها الصناعية وتوابعها الاستعمارية تنافس القوى العالمية. كما لعبت دوراً مهماً في تشكيل بعض المؤسسات المهيمنة مثل حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي.كانت بلجيكا تدرك دائماً أنها ستتمتع بنفوذ أكبر داخل الخيمة منه خارجها. ولطالما كان الساسة والمواطنون البلجيكيون يأملون أن يحرّرهم الاندماج الأوروبي من خلافاتهم الداخلية. لكن الاتحاد الأوروبي ما يزال في منتصف الطريق بين الحكومة الوطنية والدولة القارية. ونظراً لأن الغراء الأيديولوجي الذي يسمح للبلجيكيين بالتعايش لم يعد كما كان، تجد الأحزاب التقليدية في الحكومة صعوبةً في الاحتفاظ بالدعم الشعبي. ووسط انقسام أوسع في الأصوات، أخذ الناخبون الفلمنكيون والوالونيون ينجذبون إلى المغامرين على اليمين واليسار. وبالنسبة لرئيس الوزراء ألكسندر دي كرو، رئيس الائتلاف المكون من 7 أحزاب، والذي استغرق تشكيله قرابة عامين من المفاوضات الشاقة، فإن الاحتمالات ليست مشجعة على الإطلاق. وخلاصة القول، إن بلجيكا تمثّل تذكيراً بأن هناك وسائل حماية قليلة ضد الاتجاهات التي تعصف بالدول الأوروبية.

airfrance
مرسيدس
Leave A Reply

Your email address will not be published.